حكم الحج واركانه - الميقات الزماني

الحج فرض الله تعالى على عباده المستطيعين حج بيت الله الحرام، وجعل الحج المبرور الذي لا يخالطه فسوق وفجور وجدا ٌل مكِفرا للذنوب والآثام.

  • 1710 مشاهدة
  • Jul 14,2021 تاريخ النشر
  • الكاتب Sahar Shahatit
  • ( تعليق)
حكم الحج واركانه - الميقات الزماني

حكم الحج واركانه

حكم الحج، فرض عين أي على كل فرد، في العمر مرة على الفور على العاقل البالغ بعد الاستطاعة وهي أن يكون الإنسان قادراً على الوصول إلى مكة بما هو معتاد:
1- توفر المال للنفقة
2- القدرة على الانتقال إلى مكة
3- الطريق الآمنة
ويشترط على المرأة أن تكون مع زوج أو محرم أو نساء ثقات ولو امرأتين:
قال تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"  (97 آل عمران).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكل عام؟ يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) ( أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر (ج2-ص975)) وأحمد (ج2، ص508).
وأما العمرة فهي سنة في العمر مرة على المشهور، وقيل فرض كالحج وبه قال الشافعي.

الميقات الزماني للحج

الميقات: إذا وصل مريد الحج إلى الميقات المكاني فإنه يحرم عليه أن يتجاوزه غير محرم إذا كان مريداً للسنك أو قاصداً مكة.

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. (رواه الخمسة دون البخاري) (انظر التاج ج2، ص 159).
وفي التعليق الذي في التاج: ظاهر الحديث أنه لا يجب الإحرام على من دخل مكة وعليه الشافعي وجماعة، وقال الأيمة الثلاثة يجب عليه الإحرام بنسك.
والميقات بالنسبة لأهل المغرب: تونس وليبيا والجزائر والمغرب الأقصى ومصر والشام وغيرهم ممن في جهتهم الجحفة ومنها رابغ ومنها يحرم ركاب البحر في الباخرة أو ركاب الجو في الطائرة وميقات أهل المدينة ذو الحليفة وهي آبار علي وميقات أهل نجد قرن.
وميقات أهل اليمن والهند يلملم.
وميقات أهل العراق وخرسان ذات عرق.
التهيؤ للإحرام
1) يتيهأ مريد الإحرام استحباباً بإزالة الأذى بنتف الإبطين وحلق الوسط وقلم الأظافر (أي قصها).
2) يغتسل – على وجه السنة – وغسله في أحكامها كغسل الجنابة ويتدلك فيه ومن كان على جنابة كفاه غسل واحد، ولا يسقط عن المرأة الحائض وكذلك النفساء، وكل أفعال الحج تصح منهما إلا الطواف وكعتيه، ولا فرق في الغسل بين صغير وكبير، ويتصل بالإحرام كاغتسال الجمعة ولا يضر الفصل القليل كساعة من نهار، ومن لم يجد ماء أو يتصرر بالماء لا يتيمم ويسقط عنه الغسل.
3) يجب عليه إذ كان رجلاً أن يتجرد من المخيط والمحيط. ولا يضر المحيط إذا كان غير محيط كمن لفق ثوبين وإتزر بهما.
4) يلبس عوض ذلك إذا كان رجلا – على وجه السنية – إزاراً ورداء ونعلين والإزار ما يشد في الوسط كالفوطة، والرداء ما يوضع على الكتفين ويستحب فيهما أن يكونا أبيضين ويجوز الإحرام في غير الجديد. والنعلان صفتهما المطلوبة أن يكون لهما خيطان أحدهما يلي الإبهام – الأصبع الكبير- والتي تليها والوسطى والتي تليها وكلاهما مربوط بالشراك وهو السير الذي يوضع على ظهر القدم أي وجه الساق.
ومن لم يتكمن من لبس النعل لعدم وجوده أو لا يتيسر له لبسه لمانع فيجوز له أن يلبس غيره من غير وجوب فدية عليه.
وأما المرأة فإنها تلبس المخيط كعادتها وإنما لا تستر وجهها وكفيها ولا تلبس الخواتم والأقراط (البلاط) وتلبس في باقي بدنها ما شاءت.
5) صلاة ركعتين أو أكثر وهما  - على وجه السنية – فمن لم يجد ماء تيمم لهما ويقرأ في الأولى (بالفاتحة) ثم بسورة (قل يا أيها الكافرون) ويقرأ في الثانية (بالفاتحة وبسورة قل هو الله أحد) والقراءة بما ذكر استحباباً ويدعو عقب ذلك. راجياً من الله العون على القيام بهذا الواجب الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة وإن صلى فريضة وأحرم اغتنمه عن ركعتي الإحرام.
6) أن يسوق الهدي مستجمعا للشروط, لكن سوق الهدي الآن مع الاحرام متعذر ولا تقلد الغنم ولا تشعر.
الإحرام

الإحرام نية الدخول في الحج

وبعد التهيؤ بما ذكر يحرم، وحقيقة الإحرام نية الدخول في الحج أو العمرة مع القول وهو التلبية أو العمل وهو التوجه في السير، وينعقد الحج بمجرد النية ونية الحج على ثلاثة أقسام، والإحرام أحد الأركان الأربعة للحج التي لا تنجبر بالدم وهو الركن الأول.
النية الأولى: الإفراد وهي أن ينوي الحد فقط فيقول نويت الإحرام بالحج وأحرمت به لله تعالى أن ينوي ذلك بقلبه وهو الأفضل عند مالك.
وينوي به الفرض العيني إن لم يحج من قبل وينوي الفرض الكفائي وهو تعمير الموسم إن كان قد حج الفريضة وفي هذه الصورة لا دم واجبة عليه.
وإن أحرمت بالإفراد يلزمك أن تبقى على إحرامك إلى ما بعد إتمام أعمال الحج مع الاحتياط من فعل محرمات الإحرام الآتية وهو – أي الإفراد – الأفضل عند مالك والشافعي وبعد الانتهاء من أعمال الحج تأتي بالعمرة كما سيأتي.
النية الثانية القران: وهو الإحرام بالحج والعمرة معا ويستحب له أن يقدم في التلفظ العمرة بأن يقول أو ينوي بأنه أحرم بعمرة وحج معاً لله تعالى. وتبقى على إحرامك كما تقدم في الإفراد ولكن يجب عليك أن تهدي فتذبح شاة فإن عجزت وجب عليك صيام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعة أيام أخرى وتلك عشرة كاملة وليس لها زمان محدد والأفضل بعد الرجوع وتندرج أعمال العمرة في أعمال الحج.
ويكفيك طواف واحد وسعي واحد للحج والعمرة خلافاً لأبي حنيفة فإنه يجب عنده طوافان وسعيان، والقران يلي الإفراد في الفضل عند مالك وفضله أبو حنيفة.
النية الثالثة: أن ينوي التمتع فينوي العمرة فقط وتنتهي أعمال العمرة بوصولك إلى مكة وسيأتي بيان العمرة، وبمجرد الانتهاء تتحلل وتلبس لباسك وترتفع سائر محرمات الإحرام عليك، ويجب عليك هدياً بشروط:
1- عدم الاستيطان بمكة أو قربها وقت الاحرام
2- أن يحج من عامه
3- أن لا يرجع بعد اعتماره إلى بلده أو مثله إلا أن تكون بلده بعيدة كالإفريقي فيكفيه في سقوط الدم رجوعه لنحو مصر.
4- أن يفعل أعمال العمرة أو بعضها في أشهر الحج.
5- كون الحج والعمرة عن واحد فمن حج عن نفسه واعتمر معم غيره لا دم عله وشهره ابن الحاجب وضعفه بعضهم. والهدي هو ذبح كما في القرآن وان عجزت فكما تقدم.


التلبية: 

وبعد الدخول في الإحرام تلبي بإثر ذلك والتلبية واجبة في حد ذاتها وهي:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
والاقتصار عليها كما تقدم أفضل وتكره الزيادة ويقف الملبي على (والملك) فإن تركها، أي التلبية، من اول الاحرام إلى أخره لزمه الدم باتفاق وكذلك إن تركها في أول الإحرام وطال الفصل بين الإتيان بها والإحرام، فالمشهور عليه الدم ويسن اتصالها بالإحرام وتجديها عند تجدد الحال وعقب الصلوات ويستحب أن يلبي إذا سمع من يلبي ويتوسط الملبي في رفع الصوت والمرأة تسمع نفسها.
وهذه الكيفية هي كيفية الإحرام بالحج أو العمرة لمن تيسر له ذلك:
وللمسافر بالطائرة بعض تضييقات بسبب عدم تمكنه من الاغتسال وربما من التجرد فنذكر ما يأتي إذا كان المسافر بالطائرة: سفره توا – أي دغري – إلى جدة فإنه يزيل الأذى كما تقدم ويغتسل قبل أن يركب الطائرة ويتجرد حيث لم يضره التجرد، وينوي الإحرام، أي الدخول في الحج أو العمرة في الطائرة فإن تعسر عليه التجرد أرجأه إلى أثناء ركوبه الطائرة فإن تعسر عليه كذلك فإنه ينوي الإحرام في أثناء ركوبه الطارة بعد مجاوزة بيروت ويتجرد بعد ذلك في جدة ويفتدي على المعتمد والفدية صيام ثلاثة أيام، او صدقة: إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان من مده صلى الله عليه وآله وسلم، أو ذبح شاة ويفعله المفتدي في أي زمان وفي أي مكان.
ومن أحب أن يأخذ بقول سند قياسا على راكب البحر الذي لا يحاذي البر حيث يرى سند أن راكبه لا يحرم إلا إذا وصل إلى البر وهو بالنسبة لنا جدة فلا فدية عليه. (1) (لكن قرار المجمع الفقهي بمكه أنه لا بد من الاحرام من الميقات لا من جدة
وهذا بالنسبة لمن قصد مكة إثر وصوله لجدة أما من قصد المدينة فالأمر سهل فإنه يتيهأ للإحرام في المدينة فيزيل الأذى ويغتسل بالمدينة ويتجرد فيها ويحرم من آبار علي وهي على مسافة قريبة من المدينة.


محرمات الإحرام

حرمات الإحرام هي ما يجب على المحرم تجنبها (منها ما يجب فيه الفدية).
- لبس الرجل المخيط كالقميص (السورية) والسراويل والجبة بأن لا يتجرد من كل ذلك أو يستر وجهه أو رأسه وأما الاستظلال فلا شيء فيه إذا كان بالشمسية (السحابة) على الصحيح وأما الثابت فالاستظلال جائز بلا خلاف.
- وأما باقي جسده فيستره بالرداء والإزار فإن خالف ولبس المحيط فإنه حصل له الانتفاع بلباسه فعليه الفدية وكذا إن طال كاليوم أما لو لبسه لمدة وجيزة فلا فدية عليه.
- الطيب هو ما قصد منه الريح كالمسك والعنبر والكافور والعطورات فيجب تجنبها في حال الإحرام فمن تعطر بشيء من ذلك فعليه الفدية أما إن شمه او حمله أو جلس في مكان فيه العطورات فقد فعل مكروها.
وأما الطيب الذي يقصد للونه كالرياحين، فإن شمه فعل فمكروها اما إن حمله أو جلس في مكان فيه رياحين فلا شيء عليه.
- قلم الأظافر (قصها) وإبانة الشعر: فإن قلم ظفرا واحدا من غير كسر فعليه إطعام حفنة وهي ملء اليد ومن قلم ظفرين فاكثر من غير كسر فعليه الفدية، فإن كان هناك كسر، فقطع المكسور بمقدار ما يزول به الألم فيجوز ولا فدية. وأما الشعر فإن أزال قليلا منه فعليه إطعام حفنة وإن أزال كثيراً فعليه الفدية.
(ومنها ما يكون به الفساد والعدي) (أو الهدي فقط). فيحرم على المحرم الجماع وهو متلبس بالإحرام ويفسد الحج بذلك ويجب عليه القضاء والهدي.
وأما دواعيه أي النكاح كالمباشرة بشهوة والمعانقة والقبلة ففيها الهدي.
- دماء الحج ثلاثة: وهي إما الفدية وإما الهدي وإما جزاء الصيد.
أما الفدية فهي ما وجب بسبب ترفع أو ازالة أذى كقص الشعر أو الظفر أو لبس الثياب أو استعمال طيب: والفدية لا تتعدد إن كانت المخالفة في وقت واحد أو فعلت موجباتها متقاربة وإن طال الزمن تعددت وكذلك تتحد إذا كانت الفدية بنية أن يفعل جميع ما يحتاج إليه من واجبات الفدية ولم يخرج للأول قبل التكرار.
فإن أخرج تعددت وكذلك تتحد الفدية إذا نوى التكرار، وكذلك يقال في الحفنة.
وأنواع الفدية ثلاثة وهي على التخيير صيام ثلاثة أيام في أي زمان وفي أي مكان، أو اطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين، ويكفي غذاء وعشاء او ذبح شاة تجزئ أضحية ولا يجوز الأكل من الفدية لأنها عوض عن الترفه أو إزالة الأذى ولا تختص الفدية بسائر أنواعها الثلاثة بمكان أو زمان.
وأما الهدي فهو ما وجب لتمتع أو قران أو ترك رمي جمار أو ترك حلق حتى يرجع لبلده أو فعل دواعي الجماع أو ترك وقوف بعرفة نهاراً بعد الزوال لا ليلاً، إذ من لم يقف بجزء من الليل كما سيأتي فلا حج له، أو ترك نزول بمزدلفة، أو ترك مبيت ليلة بمنى، أو الإحرام بعد مجاوزة الميقات لمريد النسك أما من قصد المدينة مثلا فلا دم عليه إذ سيكون إحرامه منها، أو ترك التلبية من أول الإحرام إلى آخره، أو ترك ركعتي الطواف، أو ترك طواف القدوم عمداً، أو ترك السعي بعد، أو تأخير رمي الجمار إلى الليل.
وللهدي واجب على الترتيب فيجب على من ارتكب ما ذكر أن يذبح واحدة من النعم تجزئ أضحية فإن عجز عن الهدي انتقل إلى الصوم ويوزع الصوم على مرتين: فيصوم ثلاثة أيام في الحج من وقت إحرامه إلى يوم النحر، أما يوم النحر فلا يصومه لأنه يحرم صومه. والإحرام شرط في أجزاء الثلاثة الأيام، والسبعة الباقية تكون بعد الانتهاء من أفعال الحج ويندب تأخيرها إلى الرجوع إلى بلد السكنى والتتابع في كل من الثلاثة والسبعة مستحب فإن لم يصم الأيام الثلاثة وكذا بعضها وأخرها ولو عمدا صامها متى شاء وصلها بالسبعة تمام العشرة أو لا .
والهدي سواء كان لنقص في حج أو عمرة أو كان تطوعاً لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم فلا يجزئ ما اشترى بمنى وذبح بها لأن منى من الحرم، فلا يذبح الهدي بمنى إلا إذا اشتراه بعرفة، وأن يكون ذبح الهدي في يوم النحر أو تالييه، وأن يكون الهدي مساقاً للإحرام بالحج لا بالعمرة فإن فقدت هذه الشروط وجب ذبحه بمكة بعد إخراحجه للحل والهدي المسوق لعمرة لا يذبح إلا بمكة.
ويجوز لرب هدي التمتع والقران، والهدي المترتب عن ترك واجب الأكل منه ويشترط في الهدي الواجب أن لا يكون لأحد فيه شركة لا في الثمن ولا في الأجر وكذا هدي التطوع على المشهور.


ما يجوز فعله للمحرم

يجوز للمحرم أن يداوي جرحه وأن يضع اللزق عليه، وأن يحك جسده، ويقلع ضرسه وجوز له الفصد إذا احتاج إليه، وأن يصب الماء على جسده وأن يزيل وسخ أظافره، ويجوز له أن يغسل يديه بالأشنان أو الصابون وأن يستاك ولا شيء عليه فيما تساقط من شعر رأسه ولحيته عند غسله ووضوئه ويجوز له مراجعة زوجته والفتوى.


دخول مكة

ومن السنة أن يقصد مكة إذا أحرم من الميقات ويستحب له أن يكون في جميع أفعال الحج على طهارة كاملة إلا الطواف فإنه لا يطوف إلا على طهارة فهي لا بد منها فيه. وإذا وصل الحرم استحب له أن يقول: اللهم إن هذا حرمك وحرم رسولكفحرم لحمي ودمي على النار، اللهم أمني من عذابك يوم تبعث عبادك.
ولا يزال يلبي حتى يصل إلى بيوت مكة وإذا أمكن له الاغتسال ببئر (ذي طوى) (1) بئر ذي طوى لم يبق الآن، قبل دخول مكة إذا كانت على طريقه اغتسل بلا تدلك ويقول عند دخول مكة: اللهم إن هذا البلد بلدك، والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وألزم طاعتك متبعا لأمرك راضياً بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك أن تستقبلني بعفوك، وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني جنتك.
ويقصد المسجد لطواف القدوم إلا أن يخاف على متاعه فحينئذ يضعه في المكان المحفوظ وبعد ذلك يدخل المسجد وهو متوضئ ويستحسن أن يدخل من باب بني شيبة المعروف بباب السلام.
ويذهب إليه وإن لم يكن في طريقه خاشعاً ذاكراً حرمة ذلك المكان ويستحب له أن يقول عند دخوله:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.
وهذا مستحب كلما دخل المسجد الحرام أو غيره من المساجد وإذا رأى البيت قال استحبابا: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام.
اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريماً.
وتحية المسجد الحرام الطواف، إن كان يريد الطواف وإلا فتحيته تحية المسجد كبقية المساجد، فإن كان متمتعا فإنه ينوي طواف العمرة، وإن كان محرماً بالحج أو القران فينوي طواف القدوم كما سيأتي: وطواف القدوم من الواجبات التي تجبر بالدم فمن تركه لغير عذر ولا نسيان حتى خرج لعرفة فعليه الدم ومن تركه أو نسيان فلا دم عليه.


كيفية الطواف

عند دخول المسجد الحرام يقصد الطائف الحجر الأسود وهو على وضوء لأن الطهارة في الطواف لا بد منها كما سيأتي، وينوي الطواف حسب ما تقدم، والبدءُ بالحجر الأسود واجبٌ. ويكون البيت على يساره ويستلمه بفيه على وجه السنية كما يأتي إن لم يمنعه الزحام، ويكبر مع التقبيل ولا يقبله إلا وهو متوضئ لأنه جزء من الطواف ويقول عند التقبيل:
بسم الله والله أكبر إيماناً بك وتصديقا بما جاء به محمد نبيك
ما لم يمنعه الزحام فإن منعه الزحام لمسه بيده ووضعها على فيه من غير تقبيل مع التكبير وإن منعه الزحام كبر ومضى من غير أن يشير بيده إلى الحجر الأسود، ولا يدع التكبير استلم أولا.
وإذا وصل إلى الركن اليماني وهو الركن الذي قبل الحجر الأسود فيسن له أن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، ويكبر فإن منعه الزحام كبر ومضى، فإذا وصل إلى الحجر الأسود فذلك شوط، أي دورة واحدة، ويفعل مثلما تقدم سبعة أشواط.
والتقبيل للحجر الأسود واللمس للركن اليماني هما في الشوط الأول سنة وفي بقية الأشواط على وجه الاستحباب.
ويستحب له أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:
ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وفي غير ذلك يدعو بما أحب
ومن الأدعية المأثورة ما رواه الحاكم وصححه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول بين الركنين المتقدمين:
اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف علي كل غائبة منك بخير.


ومن الأدعية المأثورة:

اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ربنا أتنا في الدنيا حسنة .... إلخ
اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والولد.
ومنها
اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك واسقني بكأس محمد صلى الله عليه وآله وسلم شراباً هنيئاً لا أظمأ بعده يا ذا الجلال والإكرام
ويذكر:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويدعو بما يجب أثناء الطواف لأن الدعاء أثناءه مستجاب ويدعو إذا حاذى الميزاب وهو في الطواف:
اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.
 وإذا انتهى من الأشواط السبعة استحب له أن يقبل الحجر الأسود إذا لم يمنعه الزحام.
ويرمل أي يهرول الطائف في طواف القدوم في الثلاثة الأشواط الأولى والرمل فوق المشي دون الجري، ولا ترمل المرأة مطلقاً وهذا الرمل كما هو خاص بالرجال خاص بطواف القدوم، كما يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف الإفاضة إذا سعى بعده ولا رمل في طواف لا سعي بعده.
وفي أثناء الطواف يستحب للرجل أن يدنو من البيت بعد الاحتياط بالبعد عن البيت قدر ذراع ليأمن من دخول بعض أجزائه في هواء البيت.
ولا يطلب منه الاضطباع وهو أن يحسر أي يعري عن كتفه وتكره التلبية في الطواف وكثرة قراءة القرآن على المشهور أما القراءة القليلة فلا تأثير لها ولا بأس إذا أخفى القراءة في نفسه وإن كثرت.
والمشي في الطواف للقادر عليه واجب عليه فإن ترك المشي بغير عذر فعليه دم، والعاجز يركب ولا شيء عليه والمراد بالعاجز المريض الذي يشق عليه المشي وكذلك الكبير ومن باب أولى وأحرى من عجز عن المشي بالكلية، وهذا كله في الطواف الواجب وهو طواف القدوم، وكذلك الركني من باب أولى وهو طواف الإفاضة، وأما الطواف غير الواجب والركني فالمشي فيه سنة فإن تركه فلا دم عليه.
وقبل أن يركع ركعتي الطواف، يدعو ثم يصلي ركعتي الطواف، ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى (الفاتحة) و (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (الفاتحة)و (قل هو الله أحد) وإن اقتصر على الفاتحة أجزأ اقتصاره عليها.
ويستحب أن يركعهما خلف المقام، وهو الحجر الذي وقف عليه الخليل عليه السلام لبناء البيت وللآذان بالحج فغاصت قدماه فيه، إن أمكن له ذلك وتصحان في أي مكان، ويدعو عقبهما لأنه من مواضع الإجابة. ويستحب للطائف أن لا يدخل في الطواف مطلقا واجبا أو مندوبا إذا خشي أن تقام عليه الصلاة قبل أن يفرغ من طوافه فإن طاف وأقيمت عليه الصلاة الفريضة فإنه يقطع الصلاة ويبني على ما فعل وسيأتي مزيد بيان لذلك.
ويتحسب الدعاء بعد الطواف بالملتزم وهو ما بين الباب والحجر الأسود. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلصق صدره ووجه به.


شروط الطواف:

- الشرط الأول كما تقدم أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر وهو شرط في ابتدائه ودوامه فمن حصل له ناقض أثناء ذلك بطل طوافه ولا يجوز له البناء على ما فعله ولو كان عوده قريبا، وسواء حدث الناقض غلبه أو سهواً أو عمداً.
والشافعي يقول أنه يبني مطلقاً.
وإن كان الطواف تطوعاً لم تجب عليه الإعادة أما إن كان طواف قدوم أو طواف إفاضة فإنه تجب عليه الإعادة.
وأما طهارة الخبث من النجاسة فحكمها حكم طهارة الحدث إلا حال النسيان فمن طاف ناسيا بنجاسة لم يعلم بها إلا بعد فراغه من الطواف فلا إعادة عليه كالصلاة.
فإن علم بها أثناء طوافه أزالها عنه وإلا غسلها وبنى على ما فعل والرعاف كالنجاسة يذهب لغسله ويبني على ما فعل.
- الشرط الثاني: ستر العورة فإن طاف مكشوف العورة الخفيفة فإنه لا تستحب له الإعادة.
- الشرط الثالث: أن يكون البيت على يساره فإن خالف ذلك لم يجزه طوافه.
- الشرط الرابع: أن تكون قامته خارجة عن الشاذروان، وهو البناء الناتئ الخارج عن حائط الكعبة المشرفة المحيط بها، وكذلك إذا قبل الحجر الأسود فإنه لا يمشي حتى ينتصب قائماً.
- ومن اقترب من الشاذروان حتى علاه ببعض جسده فإنه يعيد ما دام بمكة فإن بارحها فلا شيء عليه.
- الشرط الخامس: أن يكون داخل المسجد وجاز تحت السقائفأي (البراطل) لزحمة.
- الشرط السادس: الموالاة في الطواف وهو أن يأتي بالأشواط من غير تفريق بينها ولا يضر عدم الموالاة بالفصل القليل بخلاف الكير فإنه مبطل للطواف.
- ومن نسي شوطاً ثم خرج للسعي وتذكر أن عليه شوطاً نسيه فإنه يبني على الستة المتقدمة إذا لم ينتقض وضوؤه وإذا أقيمت عليه الصلاة الفريضة فإنه يقطع كما تقدم وبعد انتهاء الصلاة يقوم في الحال ويبني على ما تقدم من الأشواط فإن كانت إقامة الصلاة أثناء الشوط أي قبل تمامه فإنه يقطع ولا يعتد بذلك الشوط الذي قطعه إذ لا يعتبر من الأشواط إلا ما أتمه ولا يقطع طوافه لجنازة ما لم تتعين عليه الصلاة.
- الشرط السابع: أن تكون الأشواط سبعة فمن ترك شوطاً فلا بد من الاتيان به في حج أو عمرة وإن شك غير المستنكح بنى على الأقل وأتى بما شك فيه كالصلاة سواء شك في أثناء الطواف أو بعد فراغه وأما المستنكح وهو الموسوس فيبنى على الأكثر.
- ولا يطوف طوافاً واحداً عن نفسه وغيره بخلاف السعي فإنه يجوز له أن يسعى عن نفسه وغيره.


كيفية السعي:

وهو ركن من أركان الحج الأربعة. لا يجبر بالدم وروي عن الإمام أنه واجب يجبر بدم إن رجع لبلده وبه قال أبو حنيفة.
ويستحب لمن أراد السعي أن يمر بزمزم وأن يشرب منه ويدعو بما أحب ويخرج إلى السعي من باب الصفا.
وشرط صحة السعي في الحج أو العمرة أن يتقدم طوافه تام صحيح كما يأتي فإذا كان المحرم متمتعاً كان الطواف المتقدم طواف العمرة، وإن كان محرماً بحج كان الطواف المتقدم طواف القدوم ويجب على المفرد بالحج أو القارن بينه وبين العمرة أن يأتي بالسعي إثر الطواف المذكور فإن لم يقدمه فحكمه حكم من ترك طواف القدوم في لزومه الهدي فإن أحرم بالحج من مكة في حال التمتع فلا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من عرفة.
وتجب الموالاة بين السعي والطواف: وتجب موالاة السعي في نفسه ويغتفر التفريق اليسير كالتفريق بالصلاة حيث يقطع للصلاة إذا ضاق الوقت خصوصاً والمسعى الآن داخل المسجد، أو الوقوف مع أحد يحدثه ما لم يطل فيبني معه، والحديث في السعي لا ينبغي.
والمشي فيه كالمشي في الطواف فيجب على القادر. فإن ركب مع القدرة أعاد ما دام بمكة فإن لم يعده فعليه دم هدي والعاجز يكرب، كالطواف، إذا وصل إلى الصفا وهو طرف جبل أبي قبيس وهو أفضل من المروة والمسافة بين الصفا والمروة (374م) ويبدأ به لأن الله بدأ به.
والطهارة فيه مستحبة وكذلك الطهارة من الخبث فإن انتقض وضوؤه أثناء السعي فيستحب له تجديد الطهارة ويسن له أن يرقى عليه وكذلك المرأة عن خلت عن مزاحمة الرجال
والواجب هو الدخول تحت العقد (القوس) ووقوفه على الأرض ملاصقاً لأسفل ما ظهر من الدرد، وتحصل سنة الرقي ولو بدرجة واحدة، ولكن المستحب الصعود إلى الأعلى (1) والآن لم تبق تلك الدرج وكذلك القوس، ولا يتسحب رفع اليدين عند الدعاء، ويقف مستقبلا القبلة ثم يقول:
الله أكبر (ثلاثاً) لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده
ثم يدعو يقول ذلك ثلاثاً ويقرأ:
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم. (158 البقرة) ويصلي على النبيء صلى الله عليه وآله وسلم
ثم ينزل ماشياً ويكون أثناء مشيه مشتغلاً بالذكر من قراءة قرآن وغير ذلك ودعاء وصلاة على النبيء صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتركها لأنها مطلوبة في كل دعاء.
وتكره كثرة الكلام والوقوف أشد كراهة، والجري بين الصفا والمروة، إلا أنه يسن له في الذهاب إلى المروة لا الرجوع منها الخبب وهو الاسراع في المشي، وذكر البناني الخبب مطلقا ذهاباً واياباً، وابتداؤه من الميل الأخضر وانتهاؤه عند محاذاة الميلين الأخضرين.
فإذا وصل إلى المروة وهو طرف جبل قعيقعان في مواجهة أبي قبيس رقي عليها وفعل ما تقدم في الصفا وذلك شوط، ثم يكمل سبعة أشواط يعد الذهاب للمروة شوطاً، والرجوع منها شوطاً أخر، فيكون الوقوف على الصفا أربع مرات وعلى المروة كذلك، فالبدء بالصفا والختم بالمروة.


شروط السعي وسننه ومستحباته:

شروطه ثلاثة:
1- اكمال سبعة أشواط
2- البدء بالصفا
3- تقدم طواف صحيح عليه
سننه:
1- تقبيل الحجر الأسود بعد ركعتي الطواف إذا أمكن ذلك له
2- الرقي على الصفا والمروة
3- الاسراع بين الميلين الأخضرين
4- الدعاء
مستحباته:
شروط الصلاة أي طهارة الحدث والخبث، أما استقبال القبلة فغير ممكن، وستر العورة واجب.
ما يفعله المحرم بعد ذلك:
إذا انتهى المحرم من طواف القدوم والسعي بعده فإن كان متمتعا حلق شعر الرأس أو قصره وسيأتي معنى التقصير، وهذا بالنسبة للرجل وأما المرأة فتقصر فقط.
وإذا كان محرما بحج أو بقران فإنه يعاود التلبية على الصورة المتقدمة إلى الرواح إلى مصلى عرفة، وحينئذ تقطع التلبية ولا تلبية بعد ذلك.
وفي أثناء المدة التي يقيمها المرء بين الانتهاء من السعي والخروج إلى عرفة يلازم أداء الفريضة في المسجد الحرام لتتضاعف له الحسنات ويكثر بحسب الامكان من الطواف وملازمة النوافل به أيضاً.


الخروج إلى عرفات:

- من كان متمتعاً وتحلل من العمرة كما تقدم وجب عليه الاحرام قبل الخروج في اليوم الثامن ويغتسل كما تقدم ويحرم من المسجد ويجتنب حينئذ المنهيات المتقدمة.
- ومن بقي على إحرامه من مفرد أو قارن فهو على إحرامه ولا اشكال.
- ويخرج كل في اليوم الثامن ويسمى يوم التروية إلى منى بعد الطواف بقدر ما يدرك بها صلاة الظهر آخر وقته ويكره قبل ذلك إلا لعذر.
- وينزل بمنى بقية يوم التروية والليلة الموالية ويسن المبيت بها وأن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح كل صلاة في وقتها وتقصر الرباعية إلا أن أهلها يتمون.
ويطلب إحياء هذه الليلة بالصلاة والدعاء والذكر من قراءة القرآن وغير ذلك ويحصل الإحياء إذا كان في معظمها.
والسنة أ لا يكون الخروج إلا بعد طلوع شمس اليوم التاسع وهو يوم عرفة وفيه يكون الذهاب إلى عرفات، والذهاب إليها قبل اليوم التاسع مكروه.
- وإذا وصل إلى عرفات وهي كلها موقف يندب النزول بنمرة (موضع بعرفة).
- ويستحب إذا قرب الزوال الغسل للواقف بعرفة ويتدلك تدلكاً خفيفاً، ويستمر يلبي إلى رواح مصلى عرفة – وهو مسجد نمرة – فإذا زالت الشمس قطع التلبية استنانا ويجمع بين الظهر والعسر في عرفة جمع تقديم بأن يقدم العصر ويقصر كلا من الصلاتين ولو كان منفرداً.
- وعرفة كلها موقف والأفضل الوقوف عند الصخرات المبسوطة أسفل جبل الرحمة ويبقى الواقف مستقبلاً متشرعاً داعياً إلى الغروب (1) لوقوفه صلى الله عليه وآله وسلم عندها، وهذا ما عليه علماء المالكية خلافاً لخليل في منسكه، وليس لموضع من عرفة فضيلة.


الدعاء بعرفة.

ويبدأ في الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبيء صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقرأ الفاتحة لاشتمالها على الدعاء
ثم يقرأ:
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128- البقرة).
يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)  البقرة
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250 البقرة)
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8 آل عمران)
رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16 آل عمران)
رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53 آل عمران)
فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193 آل عمران)
رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194 آل عمران)
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89 الأعراف)
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا (156 الأعراف)
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86 يونس)
أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101يوسف)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40إبراهيم)
ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سار إلى عرفات لبى وكبر.. ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيء صلى الله عليه و آله وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفه وخير ما قلت أنا والنبيئون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ( أخرجه الترمذي) .
ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم قال:
أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً.
اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر.
اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح ( أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيئ صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى العصر أي بعرفة يرفع يديه ويقول:
الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ولله الحمد.
لا إله إلا الله وحده لا شريط له، له الملكُ، وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، ونقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى.
ثم يرد يديه فيسكت قدر ما يقرأ الإنسان فاتحة الكتاب ثم يقول مثل ذلك ( أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه)
ففي هذا الموطن يكون ذكر الله سبحانه وتعالى بألفاظ القرآن وما جرى مجراها من ألفاظه صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء مع رفع اليدين وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجعل كفيه مما يلي صدره والصلاة على النبيئ صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لقد رأيت النبيء صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة رافعاً يديه حتى يرى ما تحت إبطيه.


ركنية الوقوف:

والوقوف بعرفة هو الركن الثالث من أركان الحج عند مالك فمن تركه لا يجبر بالدم، ويجب قضاؤه في العام القابل.
وحقيقته الحلول بعرفة في جزء من ليلة النحر أي ليلة عيد الأضحى فتكفي الحصة ولو كان قدر مرور الإنسان بعرفة ولا بد أن يتحقق غروب الشمس لأن الوقوف الركني هو الوجود في عرفة في جزء من الليلة المذكورة، فإذا بقي حتى تحقق الغروب فقد حصل القدر الواجب من الوقوف ولا يصلي المغرب لأنه يجمعها مع العشاء بمزدلفة. ومن خرج من عرفة قبل الغروب فعلى مذهب مالك أنه فاته الحج.
والوقوف بعرفة على طهارة ووضوء واستقبال للقبلة أفضل.
والوقوف بعرفة نهاراً واجب إن قدر عليه فمن تركه لغير عذر لزمه دم الهدي كما تقدم. 


الذهاب إلى مزدلفة

إذا تحقق الواقف الغروب بعرفة ووقف مطمئناً فإنه يستحب أن يندفع بسكينة ووقار إلى مزدلفة وينزل بها.
وتستحب المبادرة بالصلاتين قبل عشائه وخط رحله فيجمع جمع تأخير بين المغرب والعشاء ويقصر العشاء وذلك يسن لكل من وقف مع الإمام، ونمن لم يقف معه صلى كل صلاته في وقتها بأن لم يحضر الصلاة معه للظهرين ويقصر العشاء، والنزول بمزدلفة بقدر حط الرحال ولو لم تحط الرحال واجب فمن تركه لغير عذر لزمه الدم ومزدلفة كلها موقف وطولها (3812م) فهذه المساحة يجوز الوقوف بأي مكان منها ومن ترك النزول بها لعذر فلا شيء عليه ويستحب له المبيت بها إلى الفجر.
ويستحب إحياء هذه الليلة بالعبادة من صلاة وذكر وغير ذلك ويستحب أن يصلي الصبح أول وقتها فإذا صلاه وقف (بالمشعر الحرام) مستقبل القبلة يكبر ويدعو للاسفار لنفسه ولوالديه وللمسلمين.
ثم يلتقط سبع حصيات من مزدلفة لجمرة العقبة استحبابا وإما حصيات بقية الجمار فيلتقطها من أي مكان شاء فلا يكلف المرء نفسه في التقاطها من مزدلفة لأنه مخير في التقاطها من أي مكان شاء.


- الأعمال في منى:
يسير بعد ذلك قرب الأسفار إلى منى، فإذا وصل إليها فله في يوم النحر أعمال:
- العمل الأول: رمي جمرة العقبة وهي الأخيرة في طريق مكة ولا يرمي في يوم النحر إلا جمرة العقبة هذه خاصة، وكيفية الرمي أن تقف أمامها جاعلا مكة عن يسارك ومنى عن يمينك بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح (20 دقيقة) (1) ويجوز رميها في النصف الثاني من ليلة النحر عند الشافعية. إلى الزوال على الأفضل ويبتدأ الرمي من طلوع الفجر إلى الغروب، والليل وقت قضائها فإن أخر إليه لزمه دم.
وارم بيدك اليمنى سبع حصيات واحدة إثر أخرى مكبراً مع كل حصاة قائلاً: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله اكبر ولله الحمد(1) ومن عجز عن الرمي استناب من يرمي عنه، ولا يسقط عنه الدم.
التحلل الأصغر:
ورمي جمرة العقبة هو التحلل الأصغر فيحل للمحرم كل شيء مما يحرم عليه إلا النساء والصيد ويكره الطيب ولا فدية فيه.
- العمل الثاني: نحر أو ذبح الهدي وذلك إن أوقفه بعرفة بأن اشتراها منها، ويستحب النحر أو الذبح قبل الزوال، ويستحب أن يفطر على زيادة كبد هدية، ومن لم يوقفه بعرفة ذبحه بمكة بعد أن يدخله من الحل...
وأما إن لم تشتره بعرفة فإنك تذبحه بمكة بعد أن تدخل من الحل.
- العمل الثالث: حلق جميع الرأس، وهو الأفضل فيستحب في الحلق أمور منها أن يكون الجلوس في استقبال القبلة، والدعاء لأن الرحمة تغشى الحاج عند حلقه ويستحب له قص أظافره بعد حلقه وأن يأخذ من لحيته وشاربه، ويجزئ التقصير وهو قصر الشعر، وعند الشافعي يكفي قصر ثلاث شعرات. ومن لا شعر له مر الموسى على رأسه ويتعين التقصير في الأنثى ويحرم عليها الحلق، وتأخذ من شعرها قدر أنملة، أو أقل فإن كان برأسها أذى فلها أن تحلقه، واستيعاب جميع الرأس بالحلق أو التقصير عند مالك واجب، وتأخير الحلق عن الذبح مستحب، وكونه في يوم النحر بمنى افضل فإنه حلق بمكة أيام التشريق أو بعدها فلا شيء عليه.
- العمل الرابع: طواف الإفاضة، فيأتي مكة إثر الحلق يوم النحر في ثوبي إحرامه استحباباً ويدخلها طاهراًُ ليبادر الطواف، وهذا الطواف هو الركن الرابع من أركان الحج الأربعة ويدخل وقت طواف الافاضة بطلوع الفجر يوم النحر.
وأما السعي بعد طواف الإفاضة فإن الحاج إن كان في إحرامه نوى الإفراد فلا سعي عليه لأنه سعاه بعد طواف القدوم فلا يعيد السعي.
وأعمال العمرة يأتي بها فيما بعد، وأما إن كان قارناً فعلى  مذهب مالك أنه لا سعي عليه. والإمام أبو حنيفة يرى أنه لا بد له من السعي.
وأما المتمتع الذي أحرم من مكة فإنه يلزمه أن يسعى لأن السعي الأول الذي حصل منه هو سعي العمرة، والسعي على من أعاده سبعة أشواط كما تقدم.
التحلل الأكبر: وبعد طواف الإفاضة والسعي على من لم يسع يحل كل شيء للحاج حتى النساء والصيد.
الرجوع إلى منى: وبعد طواف الإفاضة  إما بدون سعي لمن سعى من قبل، أو معه لمن لم يسع يستحب للحاج أن يبادر الرجوع إلى منى بلا تأخير، ويصلي بها الصلوات ويقصر الرباعية ويكبر دبر الصلوات من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع ويقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، (ثلاثا)
أو يقول:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
ويجب المبيت بمنى ثلاث ليال لمن لم يتعجل وليلتين لمن تعجل فإن ترك المبيت بها فعليه دم وأما الإقامة في النهار بها فمستحبة.
ومن ترك البيت بمنى في لياليها كلها، وكذا لو ترك رمي الجمار كلها لزمه دم واحد وعند الحنفية المبيت بمنى سنة فمن تركه لا دم عليه.
اليوم الثاني: وإذا زالت الشمس من اليوم الثاني وهو أول أيام التشريق الثلاثة وتحقق الزوال يذهب الحاج لرمي الجمرات الثلاث وهي:
الجمرة الأولى: وهي التي تلي مسجد منى فيقصدها متوضئاً ماشياً ويرميها بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة مصاحبا ذلك التكبير للرمي، يكون حال الرمي مستقبل القبلة وهو طريق مكة ثم يتقدم أما الجمرة وهو مستقبل للقبلة كذلك، ويدعو مدة قراءة سورة البقرة باسراع (قريباً من ساعة) استحباباً والدعاء هناك مستجاب. وهذا إن أمكن له ذلك ثم يأتي الجمرة الوسطى ويرميها بسبع حصيات كذلك على الصورة المتقدمة ويتقدم أمامها ويدعو كما دعا في الجمرة الأولى ويتم الرمي بجمرة العقبة التي كان رماها يوم النحر فيرميها كذلك في اليوم الثاني بسبع حصيات على الصورة المتقدمة لكن لا يتقدم أمامها ويدعو وإنما المستحب الانصراف وراءها.
فجملة الحصيات التي يريمها في اليوم وهو ثاني النحر إحدى وعشرون حصاة، يخص كل جمرة بسبع.
ووقت أداء الرمي من الزوال إلى غروب الشمس.
ويبقى في منى ويصلي بها الصلوات ويقصر الرباعية.
اليوم الثالث: وإذا زالت الشمس من اليوم الثالث وهو ثاني أيام التشريق رمى الجمرات ويصنع مثلما صنع في اليوم الثاني.
ثم إن الحاج إن تعجل إلى مكة سقط عنه المبيت ليلة رابع النحر، وكذلك يسقط عنه رمي اليوم الرابع.
ويشترط لصحة التعجيل أن يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثالث.
والخروج من منى يحصل بمجاوزة جمرة العقبة التي في لآخر الجمرات الثلاث وهي القريبة من مكة.
العمرة
ومن تمتع أي نوى التمتع من الميقات ودخل مكة وطاف وسعى وتحلل فإنه قد أدى العمرة.
وأعمال القارن في الحج تدخل فيها أعمال العمرة فلم يبق إلا المفرد وهو يمتنع عليه أن يحرم بعمرة حتى يكمل حجه ( وتمضي أيام التشريق)
فبعد غروب شمس اليوم الرابع يحرم بالعمرة فيخرج إلى الحل وأقرب مكان هو التنعيم وهو على مسافة (6كلم) فيستمر يلبي إلى بيوت مكة وعند ذلك يقطع التلبية وأفعالها ثلاثة:
1- الإحرام من الحل كما تقدم.
2- الطواف على الصورة المتقدمة
3- السعي كذلك
فإذا أتم السعي فإنه يحلق أو يقصر
ويستحب في العمرة الهدي، ونحره عند المروة.
والعمرة كما تقدم سنة مؤكدة مرة في العمر عند مالك ومعناها الزيارة ولا يرخص في تركها، ومن المالكية من قال بوجوبها وأوجبها أبو حنيفة والشافعي.
وتجوز في جميع أيام السنة إلا في أيام الحج لمن كان محرماً بالحج كما تقدم وأفضل أوقاتها رمضان.
روى جماعة من الصحابة، ومنهم جابر، وابن عباس، وأم معقل رضي الله عنهم أن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(عمرة في رمضان تعدل حجة).
أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم:
وعند مسلم عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي.
لكن الإجماع على أن العمرة في رمضان لا تسقط بها حجة الفرض وإن كان ثوابها جزيلاً يعدل حجة.
ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور من المذهب المالكي، واستحب تكرارها مطرف من المالكية، والشافعية.
ويستثنى من الكراهة على المشهور من مذهب المالكية من تكرر دخوله إلى مكة من مواضع يجب الإحرام منها، فلا كراهة في تكرارها في العام الواحد.
ملازمة المسجد بالعبادة مدة الإقامة بمكة ما دام الحاج بمكة فإنه يلازمه – كما تقدم – صلاة الجماعة في المسجد الحرام لمضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام.
أخرج أحمد وابن ماجة عن جابر رضي الله عنه: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه.
وظاهر الحديث أنه لا فرق في التضعيف للحسنات بين الفرض والنفل وتخصيصه بالفرض خلاف إطلاق الأخبار.
ويستحب له ما دام مقيماً في مكة أن يكثر من الطواف لتعذر هذه العبادة في غير المسجد الحرام فليغتنمها ما دام في مكة.
ويتحتم على الإنسان في مدة إقامته بمكة أن يكون مراعياً حرمتها بتجنب الرفث والفسوق والعصيان وأن يتحذر من ارتكاب النواهي. وإن كان كل هذا مطلوباً في أي مكان وفي أي زمان، إلا أنه في هذا المكان يتحرى شديد التحري لأن المعصية تعظم بالزمان والمكان كما أن الطاعة تتضاعف حسناتها كذلك.


طواف الوداع

وإذا أراد الحاج مبارحة مكة يندب له أن يطوف طواف الوداع قبل خروجه منها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
فإن مكث بعد طواف الوداع مدة زمنية فإن زادت كانت أقل فلا عبرة بها، والمراد ببطلان الطواف كون هذا الطواف، طواف وداع لا بطلان ثوابه لأن الطواف صحيح في نفسه.
وطواف الوداع يكون على الصفة المعلومة من الابتداء بتقبيل الحجر الأسود وجعل البيت على اليسار، وطواف سبعة أشواط الخ...
ويستحب له إذا فرغ من طواف الوداع أن يقف بالملتزم للدعاء ويلصق صدره ووجهه بأن يجعل الخد الأيمن على البيت أو جبهته لأن كل ذلك وارد ويبسط يديه على البيت ويجعل اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود، ويسأل الله الغفران والرضى، والتوفيق، والعصمة من المعاصي.
وينفر بعد للزيارة النبوية، أو للرجوع إلى بلده وقد قضى الله حجه وتم لله ما أراد.
ويخرج من المسجد كالمعتاد فلا يرجع القهقرى إذ ذلك مكروه ويكون خروجه من باب العمرة، أو من باب زيارة إبراهيم، او من باب الوداع تفاؤلاً بالعودة إلى مكة المكرمة.
ويستحب أن يكبر في أثناء انصرافه وأن يقول:
( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده (يقول ذلك ثلاثاً)
الزيارة النبوية
المرجح أن يكون البدء لمريد الحج بمكة ثم تكون الزيارة، واختار البدء بالمدينة علقمة، وعمرو بن ميمون، والأسود، والمختار إن استع الزمن للزيارة مع إتساعه بعدها للحج فالأولى تقديم الزيارة إن أمكنت.
ومما يتأكد على الزائر إطابة النفقة والتوسعة في الزاد، وعند المشاكسة والتصدق بشيء عند الخروج، وإخلاص النية لله تعالى، ونية التقرب له بشد الرحال للمسجد النبوي ونية الصلاة فيه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد)
وهو حديث مروي من طرق ثابتة صحاح متواترة وممن رواه مسلم وغيره.
فزيارته صلى الله عليه وآله وسلم كما قال القاضي عياض سنة مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره ومسجده، وملامس يديه ومواطئ قدميه.
وليكثر مريد الزيارة من الصلاة على النبيء صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى المدينة وليحذر أن يضيع شيئاً من دينه وفي طليعة ذلك الصلاة.
وإذا أبصر الزائر المدينة فليزدد خضوعاً وخشوعاً، ويستبشر بالهناء والوصول إليها ويجتهد في مزيد الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


كيفية الزيارة عند دخول المسجد

ويستحب للزائر أن ينزل خارج المسجد النبوي فيتطهر ويلبس أحسن ثيابه ولميش على رجليه قاصداً المسجد الشريف فإذا شاهده فليستحضر أنه مهبط الوحي وبه كان ينزل جبريل عليه السلام على النبيء صلى الله عليه وآله وسلم، ويدخل من باب جبريل عليه السلام لأن الدخول منه أفضل.
وللمرأة أن تؤخر زيارتها إلى الليل أو إلى الوقت الذي يكون فيه ستر لها.
وإذا دخل الزائر المسجد فليقل:
( أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبنوره القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم صلى على سيدنا محمد عبدك ورسولك وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك ووفقني، وسددني، وأعني على ما يرضيك، ومن على بحسن الأدب، السلام عليك أيها النبيء ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
ولا يترك هذا كلما دخل المسجد أو خرج منه إلا أنه يقول عند الخروج:
( وافتح لي أبواب فضلك)
وإن شاء الاختصار فليقل كما جاء في الحديث:
(اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ويسر لي أبواب رزقك)
صفحة 76 غير موجودة
المالكية الابتداء بتقديم الزيارة في أي حال على التحية وكل ذلك واسع.
وإذا قصد القبر الشريف استعان بالله في رعاية الأدب في هذا الموقف العظيم ويستقبل وجهه الشريف.
وفي الشفا للقاضي عياض أن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس بعدما ناظر مالكاً قال له: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو؟ أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقال له مالك: ولم تصرف وجهك عنه؟ وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64النساء).
فالوقوف يكون في مواجهته صلى الله عليه وآله وسلم ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده ولا يقبل.
وفي هذا الموطن يتوجه المسلم بالسلام والتحية على النبي الكريم ويدعو بما أحب بأدب وبدون رفع صوت ومما جاء من السلام عليه.
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبيء الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وسائر عبد الله الصالحين، جازاك الله يا رسول الله أفضل ما جازى نبياً ورسولاً عن أمته، وصلى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون، وكلما غفل عن ذكرك الغافلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده).
ومن أكمله مختصراً:
السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا شفيع المذنبين، السلام عليك يا إمام المتقين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك يا منة الله على المؤمنين، السلام عليك يا طه، السلام عليك يا يس، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات المبرأت أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين، اللهم آته ما ينبغي أن يسأله السائلون، وخصه بالمقام المحمود، والوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وبغاية ما ينبغي أن يأمله الآملون آمين).
ومن ضاق وقته عن قول ذلك أو عن حفظه فليقل ما تيسر، وذكر القاضي في الشفا في (فصل حكم زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن أبي فديك – محمد بن إسماعيل ابن مسلم(-200) – سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبيء صلى الله عليه وآله وسلم فتلا هذه الآية:
إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 56 الأحزاب) ثم قال صلى الله عليك يا محمد من يقولها سبعين مرة ناداه منك صلى الله عليك يا فلان، ولم تسقط له حاجة أي لا تردد ولا تخيب.
ثم يتنحى عن يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه ويقول إن شاء:
السلام عليك يا خليفة سيد المرسلين، السلام عليكم يا من أيد الله به يوم الردة الدين، السلام عليك يا من أنفق في ذات الله ورسوله ما له قليله وجليله، ولم يترك لنفسه وأهله إلا الله ورسوله، السلام عليك يا أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثانيه في الغار، اللهم ارض عنه، وارض عني به.
ثم يتنحى إلى اليمين قدر ذراع فيسلم على عمر بن الخطاب ويقول إن شاء:
السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا من أيد الله به الدين وكمل به الأربعين، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق.
ثم يقول في سلامهما:
اللهم ارض عنهما وارض عني بهما وانفعني بهذه الزيارة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة الوجه الشريف ويكثر من الدعاء والتضرع ويجدد التوبة في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم.
والزائر الغريب عن المدينة يكثر من زيارته والوقوف في المواجهة الشريفة لأنه قصد ذلك.
ويلازم المسجد النبوي بالصلاة والتلاوة والذكر والدعاء.
روى الإمام أحمد والطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم قال:
من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتب له براءة من النار، وبراءة من النفاق.
ولفظ صلاة شامل للفرائض والنوافل المؤقتة بأوقات معلومة بها كالوتر وركعتي الفجر، وإن الحقت بها الرواتب قبل الصلوات والضحى والتهجد اتسع الفضل ومن أراد التحري جعلها كلها من الفرائض.
المآثر النبوية
ويستحب استحباباً متأكداً زيارة مسجد قباء وأفضلها يوم السبت، فيتوضأ ويذهب إليه ففي الحديث الصحيح عن أسيد بن ظهير رضي الله عنه: صلاة في مسجد قباء كعمرة، وهو المسجد الذي أسس على التقوى.
ومصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه شرقي الأسطوانة المقابل لمحرابه الآن بازائها.
ومن مآثره صلى الله عليه وآله وسلم مسجد القبلتين وهو الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر في النصف من رجب أو شعبان في السنة الثانية من الهجرة وكان التوجه إلى بيت المقدس فلما صلى ركعتين من الظهر أمر أن يتوجه إلى الكعبة فاستدار عليه الصلاة والسلام إلى جهة الكعبة فسمي بمسجد القلبتين.
ومن المآثر مسجد الجمعة الذي صلى فيه النبيء صلى الله عليه وآله وسلم الجمعة حين خرج من قباء فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وهناك مساجد أخرى منها مسجد الفضيخ، ومسجد بني قريظة، ومسجد الفتح وهو المكان الذي دعا فيه صلى الله عليه وآله وسلم على الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه صلى الله عليه وآله وسلم، وموضع دعائه صلى الله عليه وآله وسلم الاسطوانة الوسطى من مسجد الفتح، ومنها مصلاه صلى الله عليه وآله وسلم في العيدين.
ويستحب أن يزور البقيع، وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم حسن خرج إلى زيارة البقيع:
 ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وآتاكم ما توعدون غداً مؤجلين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
والغرقد نبت فيه وهو مدفن الكثير من الصحابة وأمهات المؤمنين وبه قبر إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله عنه وفيه قبر الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة وغيرهم.
ويزور جبل أحد وهو الجبل الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيحين (جبل يحبنا ونحبه).
وقتل فيه من المسلمين سبعون منهم حمزة عم النبيء صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أراد الزائر الرجوع واجه المواجهة الشريفة داعياً راجياً من الله أن يمكنه من العودة إليه، والصلاة في مسجده الكريم.

أقرأ ايضاً الحج بين شعائر الله وشعائر الجاهلية

 

مقالات متعلقة في تعريفات منوعة