ما هي حقوق الإنسان؟

حقوق الإنسان، ما هي حقوق الإنسان، نبذة عن حقوق الانسان عبر الحضارات، حقوق الانسان والشرائع الدينية، حقوق الانسان في الشرائع المدنية الحديثة، في نهاية المطاف

  • 893 مشاهدة
  • Jan 25,2022 تاريخ النشر
  • الكاتب طارق منير ناصر الدين
  • ( تعليق)
ما هي حقوق الإنسان؟

ما هي حقوق الإنسان؟

 

جميع بني البشر يولدون أحراراً، ومتساوون في الكرامة والحقوق الطبيعيَّة، والتي ليس لأحدٍ أن يسلبها من أحد تحت أيِّ مُسمَّى، أو يمنعها عن أحدٍ من البشر لأيِّ سببٍ كان، سواء كان عرقيَّاً، أو فكريَّاً، أو دينيَّاً، أو سياسيَّاً، أو طبقيَّاً، أو بسبب الجنس، والميول واللون، أو الانتماء، فهي حقوق لبني الإنسان؛ وُلِدتْ مع الأشكال البدائيّة للحياة البشريَّة.

 

 منذ كانت العلاقات بين بني الإنسان في قطعان بين الكهوف تقتصر على الطَّعام والتناسل والسَّكن، كان للجميع الحق في تلك الحاجات الطبيعيَّة ليستمرَّ نسلهم، ومع تطوُّر الحياة وتقدُّم الحضارة؛ زادت متطلَّبات الحياة، وزادت الحقوق التي طالب فيها البشر أن تكون للجميع دون استثناء.

 

(حقوق الإنسان)، نتساءل لماذا الحديثُ عنها؛ والمطالبة بها ليس حديث هذا العصر فقط، بل إنَّها حديثٌ قديمٌ مُتجدِّدٌ مستمرٌمنذُ وجودِ الإنسان موجودة.

 

فقد عرفتها الحضارات جمعاء، حقوق طبيعية يملكها الإنسان حتَّى قبل أن يكون عضواً في مُجتمعٍ مُعيَّن، فهي تسبق الدَّولة وتسمو عليها، فحقوق الإنسان هي الحقوق الشخصيَّة الإنسانية؛ مصطلحاتٌ عدَّة غير قابلة للتصرُّف، ومكفولة للجميع، لكنَّ الحق يغدو مطلباً حين نُحرَم منه، وحين يتمتَّع به شخص دون آخر، تغدو الحياة غير عادلة، وتنهض النُّفوس متمرِّدةً طالبةً حقَّها في الحياة، أبسط حقوق الحياة، إذن هناك من يسلب تلك الحقوق ويمنعها عن فئة، ويمنحها لفئةٍ أخرى، فبأي ذنبٍ يُحرم الإنسان من حقِّه في الزَّواج، أو السَّفر، أو التملُّك، أو العمل، أو العِلم، إنَّها المُلكيَّة الخاصَّة لوسائل الإنتاج التي منذ أصبحت غير عامَّة.

 

 ومنذ أصبح الفرد عبداً بعهد الرِّق، ومُرابعاً في عهد الإقطاع، وعاملاً مسحوقاً لا يملك إلا قوَّة عملة، غدت الحقوق متفاوتة بين عبدٍ وسيِّد، وبين مالك وقن (عصر القن)، وبين فقيرٍ وغني، وبين أبيض البشرة يملك السُّلطة، وبين أسود البشرة لا يملك حتَّى حريَّته، فمن هذا العذاب، ومن هذا الصِّراع الطبقي الذي نمى وكبُر ويكبر كُلَّ يوم، ومع كلِّ حضارةٍ تتقدَّم فيها الحياة والبشريَّة، تسلب حقوقاً من بشر، وفي المقابل تزداد حقوق لآخرين دون عدالةٍ في الحقوق، لأنَّ الإنسان خُلِق حُرَّاً كريماً، لا يقبل العبوديَّة، ولا الأسر، ولا الذُّل، دافع وصارع وقاتل وناضل من أجلِ أن تكون الحقوق الإنسانيَّة للجميع، ولكلِّ البشر، بغضِّ النَّظر عن اللون والجنس والطبقة الاجتماعيَّة.

 

نبذة عن حقوق الإنسان عبر الحضارات

اختلفت حقوق الإنسان في الحضارات القديمة عن بعضها البعض، إلا أنَّها لم تُنكر وجود بعض الحقوق الفرديَّة، وإن كانت في كثيرٍ من الأحيان ليست عادلة بين طبقات الشَّعب.

 

 في الحضارة الإغريقيَّة اتخذت من الديمقراطيَّة أساساً للحكم، وبذلك اعتبرت أنَّ الإنسان هو الأصل في كيان الدولة، إلا أنَّ هذا الاعتراف لم يكن يُعطي الفرد حقَّه في الحقوق المدنيَّة الحديثة، كحُريَّتهِ الشخصيَّة، وحقّ التملُّك وحُريَّة العقيدة والسَّكن، نعم كان هناك حُريَّة لكثيرٍ من طبقات النُّبلاء الإغريق، إلا أنَّ الكثير كان لديهم حقوق أدنى وأقل، ناهيك عن العبوديَّة والرِّق التي استعبدت البشر، وجعلتهم مسلوبي الحقوق الطبيعيَّة، كأن يولد حُرَّاً، أو يختار ما يعمله، أو حتَّى يأكله، أو من يتزوَّج.

 

أما الحضارة الرومانيَّة فعرفت المُلكيَّة الفكريَّة والجماعيَّة للأرض، وكان الانتخاب أساس اختيار الحاكم، والذي كرَّس حقَّ الإنسان أن يختار من يحكُمه، ولكن هذه العمليَّة الانتخابيَّة لم يشترك بها إلا الأحرار والأثرياء، فالمساواة كانت معدومةً بين طبقة الأشراف وطبقة العامَّة، أمَّا المرأة فلم تملك أيَّاً من هذه الحقوق.

 

أمَّا في حضارة وادي الرَّافدين، نُلاحظ أنَّ الحقوق الفرديَّة كانت أكثر وأعدل من ناحية الحقوق الطبيعيَّة في التملُّك والزَّواج والعمل، حتَّى أنَّ العبيد كان لهم حُريَّة الخيار في أن يتزوَّجوا من  امرأةٍ حُرَّة، وأن يشتروا حُريَّتهم بالمال؛ رغم الفرقة الطبقيَّة، والتي تُعتبر غير مقبولةً للمجتمعات الحديثة، ولحقوق البشر دون تمييز.

 

وهنا نلاحظ أنَّ الشَّرائع المنصوصة التي كفلت حقوق الفرد في بلاد الرَّافدين، كان لها أثرٌ عظيم على حقوق الإنسان، والفضل الأكبر يعود للملك البابلي حمورابي وشريعته التي نصَّت على قوانين تشرّع العمل، وحقَّ التملُّك والتعلُّم والزَّواج، ونُلاحظ أنَّ شرائع بلاد الرَّافدين أُسِّست للمزيد من تكريس الحقوق الفرديَّة للإنسان، والتي تأثَّرت فيها الشرائع الدينيَّة في الشَّرق، وأعطت للفرد بعض  الحقوق، إلا أنَّها حرمتهُ من أخرى أهم، كحُريَّة العقيدة، إلا من خلال  الجزية التي عليه دفعها إبان الحضارة الإسلاميَّة، ليستطيع مُمارسة طقوسه الدينيَّة المُختلفة، ومنع (اللادينيين) من أن يُعبِّروا عن آرائهم، غيرَ اتهامهم بالزَّندقة والكُفر، ناهيك عن أحكام الردّةِ التي تَقتل كل من يخرج عن الملَّة.

 

إضافةً إلى أنَّ الفترة المُمتدَّة من (بداية الحضارات، وظهور الشَّرائع الدينيَّة، إلى بدايات عصر النهضة)، نجد أنَّها من وجهة نظر التطوُّر التاريخي الموضوعي كانت جيِّدة لفترة بسيطة من الزَّمن، مع وجود نواقص هائلة في صون حقوق الإنسان، ولكن تحوَّلت هذه الشَّرائع الدينيَّة مع عبور الحضارات نحو التمدُّن، والتقدُّم، واختلاف الأعراق والأجناس، وتطوُّر الاحتياجات البشريَّة، إلى عائقٍ يمنع المساواة والعدل بين البشر، والسَّبب أنَّ الشريعة الدينيَّة اتخذت شكلها النِّهائي الثابت المُتجمد، فهي فكرٌ (دوغمائي) لا يقبل التطوُّر، أو المسّ بقوانينه وتشريعاته، لأنَّها حسب رأي التشريعات ثابتة لكُلِّ زمانٍ ومكان، وهو ما جعلها راكدةً غير قابلة للتجديد، ولا يُمكن تعديلها لتتفق مع تطوُّر القيم والمعايير والاحتياجات الإنسانيَّة.

 

للأسفِ تدعم وتنظم قوانين الشريعة الدينيَّة أساليب عدم المساواة الثلاثة الأساسيَّة الظَّالمة في تاريخ البشريَّة، بين: السيِّد والعبد، والرَّجل والمرأة، والمؤمن وغير المؤمن، إنّ السلوك الفظّ الذي تأمر به أو تتغاضى عنه، غير مقبول في شريعة حقوق الإنسان الحديثة، فالقوانين المنتهكة لحقوق الأطفال لا يُمكن التغاضي عنها في مسيرة الدِّفاع عن حقوق الإنسان والمُساواة بين البشر.

 

 ويتضمَّن زواج الأطفال، والزَّواج العُرفي، والقتل دفاعاً عن الشَّرف، وخِتان الإناث، وتعدُّد الزَّوجات، والعُنف الزَّوجي، بما في ذلك الاغتصاب الزَّوجي، ووجود النِّساء تحت سيطرة الأقارب من الرِّجال أو أزواجهنَّ؛ باعتبارها ضِلعٌ أعوج وقاصر يجب وضع الوصاية عليها، واعتبار شهادة المرأة نِصف شهادة الرَّجل، ولا ترث إلا نصف ميراث الرَّجل، وعدم قبول شهادتها في إثبات حادثة اغتصابها، حينئذٍ تُصبح ضحيَّة لجريمة القتل دفاعاً عن الشَّرف، وفرار الجُناة من العدالة، واختلال هذا الميزان، حيث لو أنَّ الزَّاني رجلاً، والقاتل كانت امرأةً تُدافع عن شرفها، فسيكون الحكم عليها القتل شنقاً، وإذا قُتِلت المرأة؛ فالتعويض المالي عنها نصف التعويض عن الرَّجل المقتول.

 

إنَّ ما ذكرته آنفاً؛ لهوَ انتهاكٌ صارخٌ لحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، كرَّسته الدُّول التي اتخذت من الدِّين وسيلةً للحُكم، عوضاً عن بقائه وسيلةً للتَّواصل مع الله عزَّ وجل، وهذا أعطى القوانين صفةَ الشرعيَّة الإلهيَّة، والله براءٌ منها، حيثُ أنَّ الشَّرائع الدينيَّة كفلت حقوق لا يُمكن التغاضي عنها، ولكنَّها لا تقبل المسَّ بالقوانين الظَّالمة اليوم بحقِّ المرأة والطِّفل، والسَّبب ذكرناه سابقاً، أنَّها لا تقبل المسَّ بأي تجديدٍ بطبيعتها، لأنَّها تحمل صفة الوحي والثَّبات عبر الزَّمان والمكان، ولهذا السَّبب؛ ولأنَّ المجتمعات التي تحكمها الشَّرائع الدينيَّة تقلُّ فيها الحُريَّات، فقد ظهرت الكثير من الشَّرائع المدنيَّة الوضعيَّةِ، والتي ناضلت من أجل المساواة الكاملة بين الرَّجل والمرأة، ورفضت رفضاً قاطعاً قبول ما هو إهانةً للإنسان وكرامته.

 

 

ومع بداية عصر النَّهضة في القرن الثَّامن عشر، ظهر الكثير من الباحثين الاجتماعيين، وعُلماء الاجتماع، ورجال القانون والفكر والسياسة، الذين دافعوا عن الحُريَّات العامَّة والفرديَّة، وناضلوا من أجل حقوق الإنسان في المجتمعات، وأسّسوا عقوداً اجتماعيّة جديدة، تكفل حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين.

 

 ومن أهم المُدافعين عن الحُريَّات وحقوق الإنسان في بداية عصر النهضة: (جان جاك روسّو، وهوبز، وجون لوك)، الذين أسَّسوا لعقدٍ اجتماعيٍ حديث يقوم على قيم الحُريَّة الديمقراطيَّة، والمجتمع المدني الحديث، وكانت مرحلة الرأسماليَّة النَّاهضة في بداية عصر النَّهضة، فترةً تقدميَّة لحقوق الإنسان والمجتمعات، إلا أنَّ التطوُّر الحاصل فيما بعد؛ حمل نزاعاً حقيقيَّاً بين الطبقات الرأسماليَّة النَّاهضة التي نادت بحقوق الإنسان والحُريَّات، والتخلُّص من بقايا الإقطاع والعبوديَّة، وكانت مدافعةً شرسةً عن قيم التحرُّر، وإطلاق شعارات "دعه يعمل دعه يمر"، لأنَّ هذا التحرُّر يُفيد مصالحها في التقدُّم الصناعي، والانفتاح بين الأعراق والمجتمعات حينها.

 

ولكن ما لبثت أن تحوَّلت الحياة الرأسماليَّة في مجتمع التطوُّر الصناعي إلى عبوديةٍ بحتة، وتحوَّل الإنسان عبداً بصورةٍ حضاريَّة، وفقدت الرأسماليَّة تمسُّكها بشعارات المساواة والعدالة، والحريَّة التي أطلقتها مع بداية التطوُّر الصناعي والمدني، لا بل أنَّ بعض الدُّول التي كانت من أهم الدُّول المُدافعة عن حقوق الإنسان، والتي نادت من نشأتها بهذه الشِّعارات، كالولايات المتحدة الأمريكيَّة، التي كان لمفكريها الأوائل الأثر البالغ في سنِّ شرائع وصكوك تحرُّر من العبوديَّة والاستغلال، وأهمُّها مبادئ الحُريَّة، وحق تقرير المصير التي نادى بها المفكِّر الأمريكي (مارتن لوثر كينغ)، مُحرِّر العبيد.

 

يحق لنا أن نعلم لماذا هذا التنصُّل؟ ولماذا هذا الانقلاب على الشَّرائع الإنسانيَّة من دولٍ نادت بها، لدول غدت أكثر الدول تنصُّلاً من المواثيق الدوليَّة ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان، والسَّبب يعود لمصالح هذه الدول التي غدت المساواة لا تنفع معها، ولا العدالة ناجعة، وتتوافق مع مخططاتها بالسَّيطرة على كلِّ ثروات الشُّعوب، وإخضاعها لثقافتها، وإجبارها على الطَّاعة والتبعيَّة، وهو ما يتناقض مع حقوق الشُّعوب بتقرير مصيرها، وحقِّ الإنسان في حياةٍ كريمة.

 

 لقد ظهر مُفكِّرون نُجباء حاربوا من اجل حُريَّة الإنسان والعدالة الاجتماعيَّة، وحاولوا أن يخلقوا فكراً حديثا أكثر إنسانيَّةً من الفكر الرأسمالي الذي أصبح عائقاً أمام حُريَّة الشعوب وكرامتها، بعد أن كان في مرحلةٍ تاريخيَّة فكراً تقدميَّاً تحرريَّاً قدَّم الكثير للتقدُّم الإنساني، إلا أنَّ بنيويَّة التطوُّر التاريخي للرأسماليَّة، ومراحل تقدُّمها، تحمل بذور تناقضه مع الشُّعوب والحقوق الإنسانيَّة، بسبب طبيعته التنافسيَّة الجشعة، والتي تُعلِّي من الرِّبح والثَّروة أكثر من أيِّ شيءٍ آخر يخص البشريَّة.

 

ومن هنا كان للمفكِّرين الليبراليين واليساريين الفضل في انتزاع الكثير للشعوب من حقوقٍ تكرَّست فيما بعد بالدَّساتير والمناهج الاقتصاديَّة الحديثة، لضمان حُريَّة الفرد، وتأمين حقوقه في الغذاء، والدَّواء، والسَّكن، والعيش بسلامٍ دون حروبٍ وأمراض، وكان من أهمّهم أصحاب الفكر الاشتراكي.

 

 كالفيلسوف الألماني الشَّهير (كارل ماركس)، و(غرامشي)، و(فلاديمير إليتش إليانوف)، و(تروتسكي)، و(روزا لوكسمبورغ)، وغيرهم الكثير من الذين تحدَّثوا عن أهميَّة الصِّراع الطَّبقي، وأنَّ الاقتصاد الاحتكاري قد سحق كُلَّ مفاهيم الرأسماليَّة الحُرَّة التي كانت تدعم حقوق الإنسان في عصر الرأسماليَّة النَّاهضة، ووضع مكانها قيم الاستهلاك النَّفعي الذي سلّعَ الإنسان والمرأة والطفل معاً.

 

وتشبَّث بالمراجع الدينيَّة؛ ليس حُبَّاً بالدِّين، إنَّما لجعله أداةً لتغيُّب الشعوب، وتنويمها، وحرفها عن مسار النِّضال من اجل نيل حُريَّتها وحقوقها الإنسانيَّة، وتمسَّكت تلك النُّظم الاقتصاديَّة المنوبوليَّة بالرجعيَّة، و دعمت الحكومات الدكتاتوريَّة حول العالم، غير آبهةً بانتهاك الأخيرة لحقوق الإنسان لشعبها وكرامته، وحقوق ومواثيق الشرعيَّة الدوليَّة بحقوق الإنسان، كل ذلك لتبقى المجتمعات قابعةًّ بالجَّهل والعوز، لكي لا تطالب بحقوقها من جهة؛ ويسهل السَّيطرة عليها لسرقة خيراتها من جهةٍ أخرى.

 

 وكان الفلاسفة والمفكِّرون اليساريُّون عموماً قد نبَّهوا أنَّ الفكر الرأسمالي سوف يجُر الشُّعوب إلى حروبٍ بربريَّة لن تنتهي إلا بزوال هذا الفكر الاحتكاري، و صدقت تنبؤاتهم بحربين عالميتين سببها الجَّشع والسطوة، وحُبِّ التملُّك، وتقاسم النُّفوذ، وسرقة مكامن الطاقة، والمواقع الجيواستراتيجيَّة حول قارَّات الأرض، والبشريَّة مُهدَّدة اليوم بحربٍ عالميَّة ثالثة تقضي على الجِّنس البشري، إذا ما بقيت عقول الشُّعوب مغيَّبةً لا تعرف عدوَّها الحقيقي، ولا تُناضل من اجل حقوق الإنسان وعدالته بكلِّ بِقاع الأرض.

 

دون تمييزٍ بين دول عالمٍ ثالثٍ أو أوَّل، ودون التمييز بين عرقٍ متفوِّق، أبيض أو أسود عبد، فعلى البشريَّة أن ترفع صوتها عالياً؛ للمطالبة بالمساواة الحقيقيَّة الكاملة غير المنقوصة بين الرَّجل والمرأة، وإلغاء كل أنواع العبوديَّة الحديثة، وتأمين حقِّ السَّكن، والغذاء والدَّواء للملاين التي تموت جوعاً، وفقراً، ومرضاً حول بقاع الأرض.

 

إنَّ الإنسانيَّة والفطرة الخيِّرة لبني الإنسان تستصرخ الضَّمائر الحيَّة لصون كرامة الشُّعوب، وإعلاء راية الديمقراطيَّة عالياً، وصون حقوق الإنسان لكلِّ فرد، ولكلِّ جماعةٍ دون التمييز بين عرقٍ وآخر، أو لون، أو انتماءٍ ديني، أو فكري، أو جنسي وذو ميولٍ مُغايرة. يُخلق الإنسان حُرَّاً عزيزاً كريماً؛ لا يُقيِّده فكر، ولا حدود، ولا عقيدة.

 

أهم تصنيفات حقوق الإنسان

لقد ظهرت الكثير من التصنيفات التي سعت إلى تصنيف حقوق الإنسان، واختلفت عن بعضها لعدَّة عوامل؛ منها الفكريَّة، أو الثقافيَّة أو اختلاف الحقب، إلا أنَّ التصنيف التقليدي يُقسِّم حقوق الإنسان إلى ثلاثة أجيال، وهي:

 

  • (الجيل الأول) المتمثِّل في الحقوق الماديَّة والسياسيَّة، والتي تُعرف أيضاً بـ(الحقوق السلبيَّة)، التي تضع الفرد في مواجهةٍ مُباشرة مع الدَّولة، بمعنى أنَّها كما توصف أيضاً بـ(الأساسيَّة)، لأنَّها تُعطي الفرد حقَّه في الحياة، والتغذية، والتنقُّل، والتَّعبير، ومن هنا كان على الدَّولة إجباريَّة تحقيق هذه الحقوق الطبيعيَّة البديهيَّة التي تؤمِّن استمرار الإنسان على قيد الحياة. 

 

  • أمَّا (الجيل الثَّاني) في الحقوق الإنسانيَّة؛ فكانت ألاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والثقافيَّة، التي على الدَّولة كفالتها، وتُعتبر حقوق الإنسان حقوق الجيل الثَّاني قائمةً على فلسفة اشتراكيَّة اجتماعيَّة، تأخذ بعين الاعتبار الفئات الكادحة في المُجتمع، حيث ينبغي على الدَّولة أن تُحقِّق  تلك المطالب على كلفتها، ومن ميزانيتها، باعتبارها حقوق الحدِّ الأدنى للمعيشة، لكنَّ تطبيق هذا النَّوع من الحقوق يكون وفقاً لقدرات الدَّولة وسياساتها الاقتصاديَّة، حيث كما أسلفنا سابقاً أنَّ هذه الحقوق اكتسبتها الشُّعوب نتيجة نضالٍ طويل مع الرأسماليَّة المتوحِّشة التي تسلُب الإنسان حقوقه في الحياةِ الكريمة.، بسبب الطبيعة  المتوحِّشة للفكر الرأسمالي، والطبيعة الدكتاتوريَّة والاستبداديَّة تجاه الشُّعوب الكادحة والفقيرة، والقوى العاملة التي لا تملك سوى قوت عملها، وهذه الحقوق الاقتصادية تحتاج لدولةٍ ذات توجُّهٍ إنساني، وذات اقتصادٍ  اشتراكي، أو دولة تضمن حقوق العُمَّال، والمرأة، والطِّفل والشيخوخة، وتُشجِّع على الإبداع والتطوُّر الفردي والمُجتمعي.

 

  • أمَّا (الجيل الثالث)، فهي حقوق التضامن: وهذا النَّوع من الحقوق يختلف عن الجيلين السابقين من الحُقوق، لأنَّها حقوقٌ غير فرديَّة، ويكون صاحب الحقّ فيها الجماعة أو الشَّعب، وتطبيقها مسؤوليَّةً إنسانية يحملها كلّ الفاعلين في اللُّعبة الاجتماعيَّة،  كالدَّولة والأفراد والمؤسَّسات والمُجتمع الدَّولي، ووجودها ضرورةً لتأسيس قانون دولي يحمي حقوق الإنسان في كلِّ دول الأرض، وتكون ذات صفةٍ قانونيَّة، وتحمل الصبغة الشرعيّة، وتحميها المؤسَّسات الدوليَّة ذات الصلة.

 

   من أين تستمد حقوق الإنسان شرعيتها؟

 ولكن من أين تستمد حقوق الإنسان شرعيتها؟ وما هي مصادر حقوق الإنسان التي تُجبر الجميع احترام الإنسان، وحُريَّاته، وخياراته، دون التمييز بين الجنسين، أو بين الأعراق، أو المجتمعات حول العالم؟.

كما ذكرنا سابقاً، فإنَّ نضالات الشعوب والأفكار التقدميَّة حول العالم، أجبرت العالم المُتمدِّن الذي يعُجّ بالأنظمة القمعيَّة، والاقتصاديَّات الجشعة التي جعلت من الإنسان عبداً بلباسٍ حديث.

 

ولا ننسى أنَّ جوهر انتهاك حقوق الإنسان يأتِ من عُمقِ الحضارة، ومن رحم التقدُّم، تُخلق المُعاناة الحديثة والقديمة للإنسان، فعِوضاً عن السَّعي لكرامة الشُّعوب ورفاهيتها، تسعى الحضارة الحديثة لاستعباد الشعوب، وجعلها كائنات استهلاكيَّة تلتهم كلَّ ما يُصنَّع لها، وتهدِر كل ما هو منتوج، وهذا بسبب الجَّوهر العضوي، وبنيويَّة الفكر الإمبريالي القائم على الرِّبح، وتجميع الثَّروة بيد ثُلَّةٍ من البشر على حساب المليارات الجَّائعة المُتحاربة والمُتصارعة في حروبٍ وهميَّة خلقتها دوائر الاستعمار؛ بسبب مصانع السِّلاح التي تُنتجها هذه الدُّول، لتراكم الثَّروة فوق الثَّروة، على حساب ملايين البشر الذين يَقتلون بسبب هذه الحروب العبثيَّة، غير آبهةٍ بحقوق الإنسان، والتقدُّم البشري.

 

ومن رحم المعاناة، ومن قلب الكوارث والحروب العالميَّة، جاءت أهم المصادر التي تُدافع عن حقوق الإنسان، أتت بعد الحرب؛ لكي تحاول هذه الاتفاقيَّات والمواثيق أن تمنع البشريَّة من تكرار الخراب والقتل، وأن ترعى حقوق البشريَّة، وتكفل للشُّعوب السَّلام والتعايُش، بعيداً عن الحروب وويلاتها.

 

ومن أهم مصادر حقوق الإنسان، والتي تُعتبر كمراجع علميَّة وصكوك عالميَّة  تحفظ الحقوق البشريَّة، نذكر ميثاق الأمم المُتَّحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينُص على حقِّ الإنسان في الغذاء، والدّواء، والأمن، والسّلام، والمأوى، والسّكن، والحماية الاجتماعيَّة، وحق التنمية والتعليم، والتمتُّع بالحريّة الثقافيَّة، والتقدُّم العلمي، وحقِّ العمل في ظروفٍ عادلةٍ ومُرضية وآمنة، حُريّة التنقُّل والسّفر، والعدل، والمساواة أمام القانون، والحق في مُحاكمةٍ عادلة، وافتراض البراءة، وحُريَّة الفكر، والوجدان، والدّين، وحُريّة الرّأي والتّعبير، والتجمُّع السِّلمي، وحُريّة المُشاركة في الشؤون العامّة، وحقِّ الترشُّح والانتخاب، وحماية حقوق الأقليّات الدينيّة والعرقيّة.

 

 ويُحظر الحرمان التعسُّفي من الحياة، والتّعذيب، والمُعاملة القاسية اللاإنسانيّة، أو المهنيَّة، والعبوديّة، والسخرة؛ والاعتقال التعسُّفي أو الاحتجاز، والتدخُل التعسُّفي في الحياةِ الخاصّة، والدِّعاية الحربيّة، والتمييز بأشكاله، والدّعوة إلى الكراهية العنصريّة أو الدينيّة، وعلى الدّول الالتزام باتفاقيَّات ومُعاهدات حقوق الإنسان المُتّفق عليها دوليّاً؛ لضمان حقوق شعوبها، والذي يُعتبر أمراً على جميع الدُّول، سواء قبِلت به أم لم تقبل، كما تُعتبر اتفاقيَّة القضاء على كافَّة أشكال العُنف ضدَّ المرأة، واتفاقيَّة حقوق الطِّفل، مُدرجتين ضمن الصُّكوك العالميَّة لحقوق الإنسان.

 

وهناك المواثيق الإقليميَّة التي تُعتبر المصدر الثَّاني من مصادر حقوق الإنسان، وهي التي تُخاطب إقليماً مُحدَّداً، أو مجموعةً جغرافيَّة مُحدَّدة، غالباً ما يجمعها جامعٌ ثقافيٌّ متميِّز؛ يُميِّزها عن غيرها، ويُعتبر الميثاق الأمريكي والإفريقي والأوروبي مثالاً على هذه المواثيق.

 

 أمَّا المصدر الثالث لحقوق الإنسان: فهي المصادر الوطنيَّة، وحقوق الإنسان تكون مكفولةً في كُلِّ دستورٍ وطني، كما تتوزَّع حقوق الإنسان على مُختلف فروع التشريع العادي.

 

وهنا تأتي الإشكاليَّة التي ما عرف الإنسان حلَّها إلى اليوم، حيث أنَّ الدساتير الوطنيَّة تُعتبر المشرع الأقوى لتنفيذ كُل ما هو حاصل في هذه الدَّولة أو تلك، وأوضحَ التَّاريخ أنَّ الشعوب التي عانت من التخلُّف والجَّهل، وعدم التقدُّم العلمي والعِلماني؛ كانت دساتيرها مختلفةً رجعيَّةً، تعتمد الشريعة الدينيَّة وبقايا دساتير الاستعمار القديم لها، أو أنَّها حقَّقت بعض المكاسب الاجتماعيَّة لأفراد شعبها، كالتَّعليم والغذاء والسَّكن، إلا أنَّها حرمتهُ من حقِّه في التَّعبير والانتخاب الديمقراطي، وحقِّه في التمثيل السياسي، وكلُّ هذا يَضرب بعرض الحائط أغلب مواثيق الأمم وصكوكها العالميَّة في صون كرامة وحقوق الإنسان.

 

 إنَّ أغلب الدول الدكتاتوريَّة، حتَّى وإن كانت ذات توجهٍ اقتصاديٍّ اجتماعي، تتبع دستورها الذي يُناسب الحاكم والزَّعيم، وهو مفصَّل على مقاسه ومقاس حاشية الحُكم التي حوله، وبحُجَّة الوطنيَّة؛ وعدم قبول إملاءات خارجيَّة للتغطية على قمعها لحقوق شعبها، ترفض التنازل لحقوق الشَّعب، وكثيرةٌ هي الدُّول التي لا تأبه بحقوق الإنسان؛ مُستندةً لدساتيرها الرجعيَّة التي تتغنَّى بها، وتُقنع شعبها أنَّها الأمثل للدَّولة والمجتمع.

 

وهنا يكون لِزاماً على الدُّول العالميَّة نُصرة الشعوب المنتهكة حقوقها -المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان- من قبل حكوماتها ودساتيرها القمعيَّة، ويا لها من معضلة حين تكون الدُّول التي تنبري للدِّفاع عن حقوق الإنسان، هي دول استعماريَّة تأتي وتزيد القمع قمعاً، والحقوق المنتهكة تزيدها انتهاكاً.

 

في نهاية المطاف نقول:

 إنَّ حقوق الإنسان لا تُشترى ولا تُكتسب، بل إنَّها موجودة في ولادة الإنسان، كما أنَّها شاملة؛ لا تُميِّز بين العرق، أو الجنس، أو اللون والميول، والعقيدة، والدين، والفكر السياسي، أو أيِّ وضعٍ آخر.

خُلِقَ الإنسان حُرَّاً، وسيبقى حُرَّاً لا يُقيِّده سِوى ضميره الحي، وفطرته الخيِّرة في العمل الجيِّد له، ولبني البشر.

 

 

مقالات متعلقة في دراسات وابحاث