الصندوق الأسود

الصندوق الأسود، ما هو الصندوق الأسود، مكان الصندوق الأسود، نشأة الصندوق الأسود، مكونات الصندوق الأسود ووظائفه، بحث وتحليل، اقتراحات لتحسين عمل وكفاءة الصندوق

  • 1139 مشاهدة
  • Jan 23,2022 تاريخ النشر
  • الكاتب علي ف ياغي
  • ( تعليق)
الصندوق الأسود

الصندوق الأسود

 

الصندوق الأسود مصطلح يُطلق على صندوقين، أحدهما يُسجِّل البيانات الفنيَّة الخاصَّة بأجهزة الطائرة، أو السفينة، أو القطار خلال الرِّحلة، باستخدام نظام حاسوبي موجود بداخله، كما يُسجِّل محادثة أفراد طاقم القيادة، وجميع الأصوات في قُمرة الطيَّار، فهو يُساعد في كشف السَّبب الفعلي لتحطُّم الطائرة.

والصندوق يحتفظ بالمعلومات التالية قبل وقوع الحادث، مثل: (السُّرعة الجويّة، وارتفاع الطائرة، و الحرارة وغيرها من البيانات).

 

مكان الصندوق الأسود

يوجد الصندوق الأسود بالجزء الخلفيّ للطائرة، لماذا؟..

لأنَّ هذا الجزء هو الأقل تعرُّضاً للضَّرر بحال وقوع حادث ما أدّى إلى تحطُّم الطائرة، والحقيقة أنّ الصندوق الأسود ليس أسود اللون، إنَّما جرت العادة أن يكون بلون أحمر، أو برتقالي، أو أصفر، ليستطيع الباحثون عنه تمييزه من بين حُطام الطائرة المكوَّن من آلاف القطع المُبعثرة، حيث لا يزال سبب إطلاق لون السواد على الصندوق غير معروف، ورُبَّما يكون اسم الصندوق الأسود سببه مادَّة القطران السوداء المُستخدمة بإغلاقه؛ بقصد حماية أشرطة التسجيل داخله.

وفي ما يلي سنذكر مكوِّنات هذا الجهاز، وطبيعة عمله بالغة الأهميَّة؛ لتقديم التفسيرات لأسباب حوادث الطيران.

 

نشأة الصندوق

بدايةً إنَّ فكرة الصندوق الأسود اخترعت، واستخدمت بأوّل طائرة اخترعها الأخوان رايت، وبعدهما تشارلز ليندبيرغ قام بتطوير النِّظام، ليصبح صندوق خشبي صغير يحوي داخله أسطوانةً دوّارة ملفوفة بورق وحبر، لكنّ هذا النموذج فشل لأنَّ الصندوق تحطَّم مع انهيار وتحطُّم الطائرة، ثمَّ أتى جنرال إلكتريك ليُقدِّم نظام مكوّن من سلسلة أقطاب كهربائيَّة متُّصلة بأدوات الطائرة، واخترع فريدريك فلادر مُسجِّل مغناطيسي، ولكنّ النموذجين السابقين لم يُستخدما بأيِّ طائرة في أيِّ رحلةٍ جويَّة.

وعمل الأستاذ جيمس جيه رايان في عام 1951، على جهاز مزوَّد بأجهزة قياس، وجهاز تسجيل، لكنَّه لم يُعتمد حتَّى اختُرع أوّل صندوق أسود مُعتمد لتسجيل بيانات الطائرات عام 1956، بواسطة عالِم أبحاث الطيران الأسترالي (ديفيد وارن)، وكان هذا بعد التحطُّم الغامض لأوّل طائرة مدنيّة بالعالم في عام 1953، حيث شاركَ ديفيد وارن في التحقيق لمعرفة السَّبب الكارثي الذي تعرّضت له الطائرة، وكان ديفد وارن قد توصَّل إلى تصنيع جهاز يُقاوم تحطُّم وحريق الطائرة، ويعمل على تسجيل مُحادثة طاقم الطائرة، إضافةً لتسجيل جميع البيانات الموجودة على الأجهزة، فابتكر الجِّهاز وصمَّمه، حتَّى صار معروفاً باسم (الصندوق الأسود).

ومع بداية عام 1960، أصبحت أستراليا أوَّل دولة تفرض وجود الصندوق الأسود بشكلٍ إلزامي ضمن التجهيزات الفنيَّة لكافَّة الطائرات التجاريَّة، حتَّى صدر أمر الإلزام الذي أوجبته القوانين الدوليَّة بعد ذلك.

 

مكوِّنات الصندوق الأسود، ووظائفه

يتكوَّن (الصندوق الأسود) من مسجليْن موضوعين في مؤخِّرة الطائرة؛ الأوَّل نظري، والثاني رقمي، لتوثيق كافَّة المعلومات والبيانات الخاصَّة بالرِّحلة، من بداية الظُّروف والعوائق التي تعرَّضت لها حتَّى نهايتها، وبرغم التشابه في تصميم الهيكل الخارجي، إلا أنَّهما مختلفان في الوظيفة والتركيب.

 

  •  الصندوق الأول يُسمى بمسجِّل الطائرة، ويُعرف اختصاراً بـ(DFDR) ، يبلغ 0.5 م، أمَّا عرضه 0.13 م، وارتفاعه 0.18 م، وصنع الصندوق من مادة التيتانيوم لمنع اهتزازه أو خرقه، لكي تبقى المعلومات  المسجَّلة على ذاكرته محفوظة على وحدة الذاكرة، والصندوق لديه القدرة على مُقاومة حرارة تصل إلى 1100 درجة مئويَّة لمدَّة 30 دقيقة.

وباستطاعة هذا الصندوق التسجيل المتواصل لمُدَّة تزيد عن 25 ساعة، ليحفظ ما يُقارب ال 3000 نوع من البيانات والمعلومات في وقتٍ واحد، من خلال أجهزة رصد للمعلومات موجودة خارج وداخل الطائرة، وتقتصر وظيفة هذا الصندوق بحفظ البيانات الرقميَّة، والمعلومات الخاصَّة بالطائرة، مثل: السُّرعة أثناء الطيران، والوقت، والاتجاه بخط السير، ووضع الطائرة في الجو، إضافةً للارتفاع، ودرجة الحرارة خارج الطائرة، ووضعيَّة الطيَّار الآلي، وأخيراً سُرعة الهبوط.

 

  • الصندوق الأسود الثاني، يُسمَّى بمُسجِّل الصوت، أو كما يُعرف اختصاراً بـCVR ، بحيث يحتوي الصندوق الثاني على شرائح تسجل كامل المُحادثات التي تدور بين قائد الطائرة وأفراد طاقمه داخل قُمرة القيادة بالطائرة، إضافةً لتسجيله مُحادثة كابتن الطائرة مع أبراج المُراقبة، مع رصد الأصوات التي تحدث في كابينة الرُّكاب.

يبدأ الصندوق بالتسجيل مع تشغيل الشبكة الكهربائيَّة للطائرة، وإلى حين توقُّفها عن العمل، ويمتاز الصندوق برصد وتسجيل ذبذبات تردُّد 400 ميغا هيرتز الصَّادرة عن الشبكة، والتي تبلغ قوَّتها 28 فولت، إضافةً لأصوات مراوح التبريد والاهتزازات الضعيفة، فهذا الصندوق يُساعد المُحقِّقين في حوادث الطيران على معرفة أذا كان الطيَّارون قد شعروا بوجود خلل، قبيل تحطُّم الطائرة، وما هو نوعه، ولأنَّ الصندوق يُسجِّل آخر الأحداث التي أدَّت لتحطُّم الطائرة، مِمَّا يسمح بمُقارنة المعلومات مع نظيرتها الموجودة في الصندوق الأسود الأوَّل.

يزن الصندوقان نحو 10 كيلو غرام، وهما مجهزان بجهاز بثّ يبدأ العمل عندما يغوص الصندوقان بالماء، أي في حال سقوط الطائرة في البحر؛ يُطلق جهاز البث ذبذبات ضوئيَّة عالية التردُّد تُساعد في تحديد مكانهما، ويمتلك الصندوقان قدرة على التسجيل تتراوح بين 30 إلى 120 ساعة، لكنَّه وبعد وقوع أي حادث جوي، فإنَّ الصندوقان يحتفظان بآخر ساعتين فقط من عُمر الرِّحلة، بحيث يعمل مسجِّل اتصالات قمرة القيادة على حذف كافَّة البيانات المُسجَّلة، باستثناء آخر ساعتين سُجلتا على شريط التسجيل، وسبب حفظ تسجيل الجزء الأخير للرِّحلة، لأنَّه هو الذي يُحِّدد سبب تحطُّم الطائرة، لهذا تحفظ أجهزة التسجيل بالصندوق ضمن قوالب متينة صُنعت من التيتانيوم، ويحيط بها مواد عازلة لديها قدرةً عالية على تحمُّل الصدمات الشديدة، وحرارة الحريق بما يزيد عن 1000درجة مئويَّة، إضافةً لتحمُّل الضغط العالي، وصولاً لعمق 6000 م تحت الماء، وهو مصنوع من مواد لا تتأثَّر بملوحة ماء البحر الذي يُسبِّب التآكل لأنواع مُختلفة من المعادن.

ومن أجل التأكد من جميع ما سبق، تخضع هذه الأجهزة لاختبارات كثيرة تُثبت تحمُّلها لكافَّة الظروف القاسية المتوقعة.

 

بحث وتحليل

باستطاعة أجهزة البحث التقاط أزيز الذبذبات الصادرة عن الصندوق بفضل الميكروفون، ومحلِّل الإشارة حتَّى عُمق 6000 م في قاع البحر، وخلال فترة زمنيَّة تُقدَّر بشهر من لحظة سقوط الطائرة بالماء، فهذه المُدَّة المقدَّرة لعمل بطاريَّات الصندوق قبل أن يتوقَّف عن البث بسبب انقطاع الطاقة.

ويُستخدم للبحث عن الصناديق السوداء للطائرات المُتحطِّمة أجهزة متطوِّرة كالروبوتات المُتصلة بالغوَّاصات، أو باستخدام سفنٍ مُجهَّزة بمسبارات استشعار، أو بواسطة تقنيات الكاشف المغناطيسي التي باستطاعتها البحث بمساحةٍ تبلغ نحو 60 كيلومتر مُربَّع، ثُمَّ يتولى تحليل بيانات الصندوق بعد العثور عليه وانتشاله من قبل خبراء بحوادث الطيران من جهةٍ حكوميَّة أو تجاريَّة، كما توجد أقوى مكاتب التحليل في الولايات المُتحدة الأمريكيَّة وفرنسا، بسبب وجود أكبر شركتي طيران لديهما، وهما (بوينغ، وإيرباص).

ويُعتبر الجهازين الموجودين داخل الصندوق الأسود هما الشاهدين الأخيرين، والمهمين على كلّ ما جرى في الجو قبل سقوط الطائرة أو إسقاطها، فهذين الجهازين هُما رسالة الطيَّار الأخيرة عن سبب سقوط طائرته، حيث أنَّ المعلومات والبيانات التي سجلاها تساعد المحققين على معرفة السبب الحقيقي والفعلي وراء السقوط، وتكشف بشكلٍ قاطع إن كان الحادث حصل بسبب ظروفٍ جويَّة، أو خطأ فني، أو بفعلٍ بشري.

 

اقتراحات

إنَّ الفشل في العثور على الصناديق السوداء إثر تزايد حوادث الطائرات في كثيرٍ من الأحيان، حرَّكَ دولاً كثيرة، وهيئات تنظيميَّة، ومُنظَّمات طيران إقليميَّة عالميَّة لرفع دعوة لإيجاد وسيلة تتبُّع رحلة الطائرة التجاريَّة لحظةً بلحظة، إضافةً إلى استخدام الصندوق الأسود والمعمول به حالياً، كما وشملت المقترحات إلى زيادة فترة عمل جهاز البث لتحديد موقعه تحت الماء من ثلاثين يوماً إلى تسعين، إضافةً إلى ذلك طلب زيادة الوقت المُخصَّص للتسجيلات الصوتيَّة بقمرة الطائرة من ساعتين إلى عشرين ساعةً كاملة، وذلك بهدف تسهيل الفهم لما يحدث خلال حوادث تحطُّم الطائرات.

وفي أيار 2014، صرَّحت هيئة السلامة الجويَّة الأوروبيَّة، بأنَّها صاغت مُقترحات جديدة تُسهِّل من عمليَّة العثور على الصندوق الأسود في الطائرات المفقودة، من خلال إدخال تردُّد إشارة جديد يُحدِّد بسهولة موقع الصندوق الأسود الذي فُقِدَ تحت الماء.