إبيقور والفلسفة الإبيقورية

ابيقور والفلسفة الأبيقورية، ابيقور (270ق.م – 341ق.م)، مدارس ابيقور في أثينا وخارجها، كتابات أبيقور، مبادئ الفلسفة الأبيقورية، المبادئ الأخلاقية الأساسية

  • 1191 مشاهدة
  • Aug 17,2021 تاريخ النشر
  • الكاتب Ghada Halaiqa
  • ( تعليق)
إبيقور والفلسفة الإبيقورية

إبيقور والفلسفة الإبيقورية

 

إبيقور (270ق.م – 341ق.م)

 

إبيقور فيلسوف إغريقي ولد في جزيرة (ساموس اليونانيّة) عام 341ق.م لأبوين أثينيين، وتوفِّي في أثينا عام 270ق.م.

يُعتبر إبيقور مُبتكر الفلسفة الأخلاقيّة، والتي تناولت في مضمونها الصداقة والمتعة والانعزال، وقام بتأسيس عدد من المدارس الفلسفيّة التي امتدت حتى القرن الرابع للميلاد.

 

كان والد إبيقور (نيوكليس) يعمل في مهنة التدريس، وقد بدأ إبيقور بدراسة الفلسفة وهو في الربعة عشر من عمره، وكان دافعه لدراسة الفلسفة هو عدم قدرته على فهم شرح أستاذه حول مفهوم (الفوضى) عند الشاعر والفيلسوف الإغريقي (هزيود)، تتلمذ إبيقور على يد (نوزيفانس)، والذي يعد من أهم أتباع الفيلسوف الطبيعي (ديموقريطوس)، في المدينة الأيونيّة تيوس، ويُعتقد بأنَّ نوزيفانس مصدِّر نظريَّة إبيقور الذريَّة التي اعتُبرت أساساً لنظامٍ فلسفي انتهى لغايات أخلاقيَّة، ولم يَستعملها لدراسة الفيزياء.

 

عندما بلغ إبيقور الثامنة عشرة من عمره، توجّه إلى أثينا لتأدية الخدمة العسكريّة الإجباريّة، والتي كانت في ذلك الوقت مفروضةً على المواطنين الأثينيين، ويُعتقد بأنّه كان من المُستمعين إلى أرسطو الذي كان في ذلك الوقت متواجداً في أثينا، وإلى زينوقراط خليفة أفلاطون في رئاسة الأكاديميّة الأفلاطونيّة.

 

وبعد عمٍ واحدٍ من تواجده في أثينا، انضمَّ إبيقور إلى والديه الذين نُفيا إلى مدينة (كولوفون)، وذلك إبان استيلاء المقدونيين على جزيرة (ساموس) في نهاية حرب لإميا، واختفى لمدّة عشرة أعوام لسببٍ مجهول، حيثُ يُعتقد بأنّه قد قضى تلك الأعوام في الدراسة والسفر وتطوير ملامح فلسفته، بدليل المناقشة التي قام بها مع الفلاسفة الآرسطيين والأفلاطونيين، وقد قام (ديوجين) بالاحتفاظ برسالة إبيقور التي قام بإرسالها إلى أمّه أثناء تواجده في مدينةِ (تيوس).

 

عند بلوغ إبيقور الثانية والثلاثين من عمره، بدأ بتدريس فلسفته في مدينة ميتيليني، وانتقل منها إلى مدينة لامبساكوس، والتقى في كل مكانٍ تواجد به بتلامذته المُخلصين، والذين تبعوه إلى أثينا، وقاموا بنشر تأثير المدرسة الإبيقوريّة، حتّى وصلوا بها إلى النُضج التام، ومن أشهر هؤلاء التلاميذ (هيرمارخوس) الذي التقى إبيقور في أثينا، وأخلفه في رئاسة مدرسته الأثينيّة، و(ميترودور) و(بولياينوس)، و(تيموكراتيس) و(بلونتيوس) مع زوجته (ثيميستا) المحظيّة، و(كولتيس) و(أدومينيوس) وزوجته (باتيس).

 

تميّزت فلسفة إبيقور بالعالميّة، ويعزى السبب إلى قضائه خمسةً وثلاثين عاماً في آسيا، فانعكس هذا الأمر على أسلوبه واختياره للمفردات، لكنه لم يهجر الأفكار الأثينيّة.

 

مدارس إبيقور في أثينا وخارجها

في عام 306 قبل الميلاد، قدِمَ إبيقور مع أتباعه إلى أثينا، وابتاع بيتاً وأسَّس مدرسةً في حديقته، وقد كانت الحياة الثقافيّة في أثينا في ذلك الوقت تُسيطر عليها مدرستين، هما:

 

معهد (الليسيوم) لآرسطو، والأكاديميَّة الأفلاطونيَّة بإدارة خُلفاء الفَيلسوفين، وقامت تلك المدارس بجذب أفضل الطُلاب النظريين، إضافةً لكافة المُهتمين بتطبيق الفلسفة في الحياة العامّة والحياة السياسيَّة، وفي حال نشوء أي مدرسة جديدة، عليها أن تدافع عن وجودها.

 

من خلال الدخول في نقاشٍ مُباشر مع الليسيوم والأكاديميَّة، تماماً كما فعلت مدرسة الفلسفة الرواقيَّة بعد أعوامٍ قليلة، وكان إبيقور قد جلب معه إلى أثينا طريقة حياة مُختلفة، إضافةً إلى أنَّه قد قبِل انضمام النساء إلى مدرسته، على العكس من المدارس الشهيرة السابقة، ولم يقتصر الأمر إلى انضمام النساء للمدرسة الإبيقوريّة، بل قبِل انضمام العبيد لها، كما هو الحال بانضمام العبد (ماوسي).

 

من أهم التعاليم التي التزمت بها المدرسة الإبيقوريّة هي تجنّب مُمارسة الأنشطة السياسيَّة والحياة العامَّة، على الرغم من نجدتها لأحد أتباع مدرسةٍ أخرى خارج حدود أثينا، وذلك إبان صُعوده سُلَّم السُلطة وسقوطه.

 

اتسمت الحياة داخل بيت إبيقور وفي حديقته ببساطتها، على عكس ما يُشاع عنها هذه الأيّام، فقد كان الشراب الاعتيادي هناك الماء، مع السماح برُبع لترٍ من النبيذ يوميَّاً، وكان الطّعام الأساسي فيها خبز الشّعير، وإبان إحدى المجاعات التي اجتاحت أثينا، قام إبيقور بإنقاذ تلاميذه عن طريق توزيع حِصّةٍ يوميَّة صغيرة من الباقلاء.

 

 لم يكن بيت إبيقور مشاعاً كما هو الحال الفيثاغورسيّة، وفيما يتعلّق بالحياة الجنسيّة فقد كانت حياةً طبيعيّة بالنسبة لأتباع المدرسة الإبيقوريّة، على عكس المدرسة الأفلاطونيّة القائمة على البراءة، ولم تتعرّض المدرسة الإيبقوريّة من هجوم من أيٍّ من المدارس الأخرى باستثناء هجوم الرواقيّون عليهم لاعتبارهم خصماً لهم.

 

أصيب إبيقور بالتهاب البروستات الذي أدّى إلى وفاته وهو في الثانية والسبعين من عمره، وقد أوصى قبل رحيله أن يترك البيت والحديقة وبعض الإيرادات إلى أوصياء المدرسة، وقد قام إبيقور قبل رحيله بتحرير عبيده، وغيرها من الأعمال الخيريَّةِ الأخرى.

 

كتابات إبيقور وتقييمه

يُعتبر إبيقور الكاتب الأكثر إنتاجاً بحسب (ديوجين اللايتري)، وقد وصلنا كتاباً وثلاث رسائل مكتوبة بقلم إبيقور، إحدى هذه الرَّسائل كانت موجهة إلى (هيرودوتس)، وموضوعها الفيزياء، أمَّا الرسالة الثانية كانت موجهة إلى (بيثوليكس)، وموضوعها الأرصاد الجويّة، ويُقال أنّها من تلخيص أحد التلامذة المُخلصين لأبيقور، ورسالته الثالثة كانت موجهة إلى (مينويسيوس)، وموضوعها اللاهوت والأخلاق.

 

أمّا كتاب إبيقور فيحمل اسم (المبادئ الأساسيّة) ويحتوي على أربعين حكمة إبيقوريّة قصيرة.

وفي منتصف القرن الثامن للميلاد، تمَّ العثور على لفائف في (بيت البردى) بمدينة هركولانيوم من كتابات إبيقور، وتضم هذه اللفائف على الكثير من مراسلات إبيقور مع عددٍ من الأصدقاء، إضافةً لأجزاء من عمله الضخم حول الطبيعة، والذي يتكوّن من سبعة وثلاثين كِتاباً.

 

انتشر تأثير إبيقور في روما القديمة في القرن الأوّل قبل الميلاد، ويعود هذا الانتشار بسبب أساليب إبيقور التي تُقارب الأساليب والطُرق الدينيّة، وقد ظهر هذا التأثير جليّاً على أعمال الفيلسوف والشاعر (لوكريتيوس)، إضافةً إلى الإشارة إلى إبيقور من قبل المعلِّم الأخلاقي ورجل الدولة (شيشرون)، إضافةً للوصف الدقيق لكيفيّة تهدئة أفكار إبيقور، والتي كانت قد أستخدمت من قبل كاسيوس عقل بروتس، وقد أورد تفاصيل هذا الأمر كاتب السِّيَر الشخصيّة (بلوتارخ).

 

مبادئ الفلسفة الإبيقوريّة

 

تقوم فلسفة إبيقور عن البحث عن ملذاتٍ متواضعة في سبيل التحرّر من الخوف المعروفة باسم (أتاراكسيا)، والوصول إلى حالةٍ من الهدوء، والتحرُّر من الألم الجسدي الذي يُعرف باسم (أبونيا)، ويُمكن تلخيص الإبيقوريّة على أنّها شكلٌ من أشكال مّذهب المُتعة، والدّفاع عن أشكال الحياة البسيطة.

 

إضافةً للهدوء، فقد جادل إبيقور بالاعتدال في كافة أمور الحياة، كالمأكل والملبس والجنس والعمل ..الخ، ومن المواضيع التي أسهب إبيقور في الحديث عنها ما يلي:

الدين: لم تُنكر الإبيقوريّة وجود الآلهة، ولكنّها تؤكِّد على حياديّتها، وعدم تدخلها في حياة الإنسان، وقد تصوّر الإبيقوريّون بأنّ الآلهة عبارة عن كائنات ماديّة خالدة تتكوّن من ذرّات، وتُقيم  في الفراغات المنتشرة بين العوالم، باتساع الفضاء اللامُتناهي، والبعيد جداً عن الأرض، من جهةٍ أخرى يرفض المذهب الإبيقوري أيَّ احتمالٍ للحياة الآخرة، وتقول بأنّه لا داعي لخوف المرء من الموت.

 

الطبيعة والفيزياء: يرى إبيقور بأنّ مكوِّنات الطبيعة الأوليّة عبارة عن مادّة غير مُتمايزة، تتشكّل في جُسيماتٍ صلبة منفصلة، وغير قابلة للتجزئة – ذرّات – لا تُدرك، ويؤكّد إبيقور بأنّ الفضاء عِبارة عن مصفوفة تمتد باستمرار بشكلٍ موحّد في جميع أرجاء الكون، وتكون هذه المصفوفة مشغولة بالمادّة أو فارغة.

 

 وقد بنى إبيقور هذا المخطّط العريض من الذريِّين الأوائل، ومن أهمهم ديموقريطس، على الرغم من أنّ نسخة ديموقريطس تمَّ نقدها من قِبل المفكِّرين اللاحقين، ومن أهمهم أرسطو، بسبب عدم الترابط في فِكرة (الفراغ اللامُتناهي)، إضافةً للمشاكل الناجمة عن فكرته بخصوص الكيانات الأصغر حجماً في الحدود الدُنيا، فالمشكلة التي واجهت إبيقور هنا هي إيجاد الطريقة المُناسبة لشرح الظَّواهِر الطبيعيَّة لحركة الجسد، إضافةً لتلك التحديات التي تشكّلت من انتقادات أرسطو لنظريَّة ديموقريطس.

 

الأخلاق: يرى إبيقور بأنّ الفلسفة هي عِبارة عن فن إسعاد الحياة، وأنَّ التعقُّل من أنبل أركان الفلسفة، وعلى ما يبدو بأنّه قد تمّ تبني نظريته المعرفيّة وفلسفته الطبيعيّة بسبب نظريَّته في الحياة، حيث يعتقد إبيقور بأنّ السعادة الشخصيّة لا تعني الكمال والرفاهية المصحوبة باللذة في حالة الوعي؛ وإنّما هي المُتعة نفسها، وتكون هذه المُتعة حِسيَّة لأنّه لا يُمكن بلوغها في الحياة.

 

المبادئ الأخلاقيّة الأساسيَّة في فلسفة إبيقور

 

تدور المبادئ الأخلاقيَّة الإبيقوريّة حول كيفيّة العيش، والهدف من العيش، وكيفيّة متابعة هذا الهدف، وهذه المبادئ هي:

لو لم يتمكّن الفرد من التخلُّص من كلِّ القلق والألم، لكن في المُقابل يُمكن أن يحيا حياةً مُمتعة، بحيث يدوم القلق والألم لفترات قصيرة أو طويلة، في تلك الفترات على الفرد أن يتحلى بالصبر، لأنّ الأمور السيئة تمضي غالباً.

 

ليس هنالك لذَّةً سيئةً في حدِّ ذاتها، لكنّ بعض هذه الملذات تجلب الكدر والألم، لهذا السبب يجب عدم السَّعي خلف مُتعةٍ واحدة، حدَّ استهلاك الحياة في سبيل الحصول عليها، لأنّه تقف عائقاً أمام الحصول على ملذَّاتٍ أخرى، والفكرة الرئيسيّة في هذه النقطة هي الاعتدال في كافة الأمور.

 

الفضيلة هي اسمٌ يُطلق على الأدوات الضروريَّة، والتي يُمكن من خلالها الوصول إلى حياةٍ مُمتعة، فلا يمكن لأيِّ إنسانٍ أن يعيش حياةً مُمتعة بدون تلك الأدوات، وفي المُقابل لا يُمكن أن تُستخدم هذه الأدوات بشكلٍ سوي دون العيش بشكلٍ مُمتِع.

 

يُمكن للإنسان أن يعيش بحكمة، وفي نفس الوقت يُمكن أن يسعى وراء المُتعة بحنكةٍ وذكاء، لأنّه حر، وأفعاله لا تُحدِّدها أي قوَّةٍ خارجيَّة بشكلٍ كامل.

 

إذا تمكّن الإنسان من العيش بحكمة، فسيرى بأنَّ أهم الأدوات لديه لتحقيق الأمان والسَّعادة، هي إقامة علاقات صداقة مع أناسٍ يحملون نفس الموقف والفِكر والولاء.

 

الأساس الوحيد والحقيقي للعدالة هو الاتفاق المُتبادل بين الكائنات الذكيَّة لتحقيق المُتعة، شرط عدم تلقي أو إلحاق الضرر مِن الآخر، ويعني إقامة تسوية واتفاق، فهذا الأمر يورِّث راحة البال، بالإضافة إلى تجنُب التوتُّر والعداوات الغير ضروريَّة.

 

لا شيء يُعادل العالميَّة، أو العدالة المُطلقة، أو الظُلم، لكنّ الإنسان يُمكنه تحقيق العدالة من خلال إقامة اتفاقيَّات للمنفعة المُتبادلة، فالعلاقات بطبيعة الحال تتغيَّر مع مرور الوقت، ولا يُمكن اعتبار تلك العلاقات عادلة.

 

المُتعة عند الإبيقوريين

 

ترتبط المُتعة – بحسب إبيقور – بإشباع الرّغبات، وعلى الفرد التمييز بين نوعين من المُتعة، وهما:

- مُتعة أو ملذة متحرِّكة، ويحدث هذا النوع عندما يكون الإنسان في طور إشباع رغباته، كمتعة تناول الطعام عند الجوع، وينتج عن هذا النوع من المتعة دغدغةً لكامل الحواس، ومجموعة من المشاعر يُطلق عليها فظ (مُتعة).

- مُتعة أو ملذة ثابتة، ويأتي هذا النوع في حالة الشبع، والتي يبتعد الفرد فيها عن العوز والحاجة، فيتحوّل هو نفسه إلى إنسانٍ مُمتع، وتُعتبر هذه الملذة بالنسبة لإبيقور من أفضل أنواع المُتع والملذَّات.

 

مقالات متعلقة في الفلسفة